اذهب الي المحتوي
أوفيسنا
بحث مخصص من جوجل فى أوفيسنا
Custom Search

Arafottaa

عضو جديد 01
  • Posts

    45
  • تاريخ الانضمام

  • تاريخ اخر زياره

السمعه بالموقع

12 Good

1 متابع

عن العضو Arafottaa

البيانات الشخصية

  • Gender (Ar)
    ذكر
  • Job Title
    Technical Records

وسائل التواصل

  • Website URL
    https://aboarafat.com

اخر الزوار

بلوك اخر الزوار معطل ولن يظهر للاعضاء

  1. خطبة عن النفاق والمنافقين للشيخ محمد نبيه يوضح فيها كيف بدأ النفاق ويبين فيها بعض صفات المنافقين كما ورد ذكرهم في القرآن والسنة. بداية النفاق ابتدأ بعد غزوة بدر، وسيبقى ما بقي صراع بين حق وباطل. ولو نظرنا إلى القرآن لوجدنا أن الآيات المكية لا ذكر للنفاق فيها؛ لأن المشركين ما كانوا يسترون كفرهم. فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، لم يكن هناك نفاق في أول الأمر؛ بل كفر ظاهر أوإيمان باطن وظاهر؛ لأنه لم يكن للمسلمين شوكة تخاف، أوقوةٌ تهاب. فلما عزَّ الإسلام، وقويت شوكة المسلمين بعد بدر الكبرى كما في صحيح البخاري: قال عبدالله بن أبي بن سلول: وكان على الكفر آنذاك: “هذا أمر قد توجه”. فأظهر الدخول في الإسلام، ودخل معه في النفاق طوائف من عرب المدينة وأعرابها المجاورين لها، ومن اليهود، فأظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر. وصُدِّرت أطول سورة مدنية بذكر صفاتهم، والتحذير من خطرهم بعد ذكر المؤمنين وذكر الكافرين، إنها سورة البقرة، بدأها الله تعالى بذكر المؤمنين في أربع آيات، ثم ثنى بذكر الكفار في آيتين، ثم ثلث بذكر المنافقين في ثلاث عشرة آية، وهذا دليل على أن الاهتمام بدفع شرهم أشدُّ من الاهتمام بدفع شر الكفار، كما يدل على لأنهم أشد خطراً من الكفار. صفات المنافقين المرجفون قال الله تعالى: (لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا). (سورة الأحزاب:60) المرجفون هم أشخاص تخصصوا في الافتراء والكذب على الله ورسوله وعلى العلماء وعلى الناس كافة الأحياء والأموات، وعلى تاريخ الأمم وحاضرها ولا تسلم السنون والأيام من إفكهم وتزييفهم. والمرجفون يتلاعبون بالوعي العام ومصالح الناس، هم رسل الشيطان الذين يزينون للناس السوء من الأقوال والأفعال والمواقف، ويزيفون الوقائع والأحداث في كلياتها وتفاصيلها أوجزئياتها. المرجفون يشككون في الأخلاق والقيم والفضائل وكل الأعمال التي تبتغي الإصلاح والصلاح والتغيير. قال ابن عباس رضي الله عنه: الإرجاف: التماس الفتنة وإشاعة الكذب. والإرجاف لغة واحد الأراجيف، وقد أرجفوا في الأمر أي خاضوا فيه وأحدثوا فيه اضطراباً شديداً. وقال صاحب اللسان: (والمرجفون في المدينة هم الذين يُولَّدون الأخبار الكاذبة التي يكون معها اضطراب الناس بقصد إحداث البلبلة وخلخلة الأمن ونشر أخبار السوء حتى قالوا: الأراجيف ملاقيح الفتن). المرجفون: هم من يسعون إلى إحداث الاضطراب الشديد في المجتمع وخلخلة أمنه واستقراره وإشاعة الخوف والهلع في نفوس الناس عن طريق نشر وإشاعة الأخبار الكاذبة والملفقة وتهويل الأمور والمبالغة فيها إلى الحد الذي يجعل الناس في حالة من الاضطراب الشديد فيفقدون معه السيطرة على أفعالهم فينطلقون في كل اتجاه يموجون في المجتمع حيث يخرج الناس على وجوههم لا يدرون إلى أين يتجهون. قال تعالى: (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) (سورة التوبة:48))، أي لقد أعملوا فكرهم وأجالوا آراءهم في كيدك وكيد أصحابك وخذلان دينك وإخماده مدة طويلة، وذلك أول مقدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة. رمته العرب عن قوس واحدة، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها فلما نصره اللّه يوم بدر وأعلى كلمته، قال عبد اللّه بن أبي وأصحابه: هذا أمر قد توجه، فدخلوا في الإسلام ظاهراً، ثم كلما أعز اللّه الإسلام وأهله غاظهم ذلك وساءهم، ولهذا قال تعالى: (حَتَّىظ° جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ). (سورة التوبة:48) فقلب الحقائق، وبلاغة اللسان وقلة الأفعال من أبرز صفات المنافقين، يظنون أن الفتنة هي الإثارة والهرج فقط، ويغفلون عن أن أخطر أنواع الفتنة قلب الحقائق والمفاهيم. فكُنْ حريصاً دائماً على التأكُّد مِن جميع ما يُنقل لك مِن النَّاس فإنَّ مِن أخطر أنواع الفتن قلبُ الحقائقِ وإيصالُها لكَ بالكذب، فهناك فئة يملكون مهارة فائقة فى قلب الأمور لكن لن تغيب الحقيقة! فأخطر أنواع الصراع أن يُصوّر صراع الحق والباطل على أنه صراع أفراد مع أفراد وحزب مع حزب فتختفي الحقيقة. قوله: (وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ) هو سيظهر بلا شك، ولكن هل ستكون أنت ممن ساهم في إظهاره؟ هنا السؤال. سبب نزول الآية ما رواه عبد بن حميد أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابه بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوالرُّوم وَذَلِكَ فِي زَمَان عُسْرَة مِنْ النَّاس وَشِدَّة مِنْ الْحَرّ وَجَدْب مِنْ الْبِلَاد وَحِين طَابَ الثِّمَار وَأُحِبَّتْ الظِّلَال وَالنَّاس يُحِبُّونَ الْمَقَام فِي ثِمَارهمْ وَظِلَالهمْ وَيَكْرَهُونَ الشُّخُوص عَنْهَا عَلَى الْحَال مِنْ الزَّمَان الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ. وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يَخْرُج فِي غَزْوَة إِلَّا كَنَّى عَنْهَا وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُرِيد غَيْر الَّذِي يُصْمَد لَهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ غَزْوَة تَبُوك فَإِنَّهُ بَيَّنَهَا لِلنَّاسِ لِبُعْدِ الشُّقَّة وَشِدَّة الزَّمَان وَكَثْرَة الْعَدُوالَّذِي صَمَدَ لَهُ لِيَتَأَهَّب النَّاس لِذَلِكَ أُهْبَته. فَأَمَّ النَّاس بِالْجِهَادِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يُرِيد الرُّوم فَتَجَهَّزَ النَّاس عَلَى مَا فِي أَنْفُسهمْ مِنْ الْكُرْه لِذَلِكَ الْوَجْه لِمَا فِيهِ مَعَ مَا عَظَّمُوا مِنْ ذِكْر الرُّوم وَغَزْوهمْ. ثُمَّ إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّ فِي سَفَره فَأَمَرَ النَّاس بِالْجِهَازِ وَالِانْكِمَاش وَحَضَّ أَهْل الْغِنَى عَلَى النَّفَقَة وَالْحُمْلَان فِي سَبِيل اللَّه. فَلَمَّا خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ عَسْكَره عَلَى ثَنِيَّة الْوَدَاع وَضَرَبَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول عَسْكَره عَلَى ذِي حِدَة أَسْفَل مِنْهُ نَحْوذُبَاب جَبَل بِالْجَبَانَةِ أَسْفَل مِنْ ثَنِيَّة الْوَدَاع وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَيْسَ بِأَقَلّ الْعَسْكَرَيْنِ. فَلَمَّا سَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَلَّفَ عَنْهُ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ فِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْل الرَّيْب وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ أَخَا بَنِي عَوْف بْن الْخَزْرَج وَعَبْد اللَّه بْن نَبْتَل أَخَا بَنِي عَمْروبْن عَوْف وَرِفَاعَة بْن زَيْد بْن التَّابُوت أَخَا بَنِي قَيْنُقَاع وَكَانُوا مِنْ عُظَمَاء الْمُنَافِقِينَ وَكَانُوا مِمَّنْ يَكِيد لِلْإِسْلَامِ وَأَهْله. (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ) طلبوا لك الشَّرَّ والعنتَ قبل تبوك وهوأنَّ جماعةً منهم أرادوا الفتك به ليلة العقبة، ومن مظاهر ذلك: أنهم ساءهم انتصاركم فى غزوة بدر، وامتنعوا عن مناصرتكم فى غزوة أحد، متبعين فى ذلك زعيمهم عبد الله بن أبى بن سلول، ثم واصلوا حربهم لكم سراً وجهراً حتى كانت غزوة تبوك التى فضح الله فيها أحوالهم. فالمراد بقوله: (مِن قَبْلُ) أى: من قبل هذه الغزوة التى كانت آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم. أى أن ما صدر عن هؤلاء المنافقين من مسالك خبيثة خلال غزوة تبوك ليس هوالأول من نوعه، بل لهم فى هذا المضمار تاريخ مظلم بدأ منذ أوائل عهد الدعوة الإِسلامية بالمدينة. قوله: (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) بيان لتفننهم فى وجوه الأذى للنبى صلى الله عليه وسلم وتقليب الأمر: تصريفه، وترديده، وإجالة الرأى فيه، والنظر إليه من كل نواحيه: لمعرفة أى ناحية منه توصل إلى الهدف المنشود. والمراد أن هؤلاء المنافقين قد ابتغوا الأذى للدعوة الإِسلامية من قبل هذه الغزوة، ودبروا لصاحبها – صلى الله عليه وسلم – المكايد، واستعملوا قصارى جهدهم، ومنهى اجتهادهم، وخلاصة مكرهم، من أجل صد الناس عن الحق الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) اجتهدوا في الحيلة عليك والكيد بك. (حَتَّىظ° جَاءَ الْحَقُّ) الآية أَيْ: حتى أخزاهم الله بإظهار الحقِّ وإعزاز الدِّين على كُرهٍ منهم. الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا روى البخاري في صحيحه عن عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْغَزْو تَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ، وَحَلَفُوا، وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا، فَنَزَلَتْ: (لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ). الْآيَةَ. المبطئون الشامتون يقول سبحانه: (وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73)).(سورة النساء) في تفسير الطبري قال ابن جريج: المنافق يبطِّئ المسلمين عن الجهاد في سبيل الله، قال الله: (فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ)، قال: بقتل العدو من المسلمين (قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا)، قال: هذا قول الشامت. المتربصون يقول سبحانه: (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ). (سورة النساء:141) روى الطبري بإسناده عن ابن جريج قوله: (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ). قال: المنافقون يتربَّصون بالمسلمين (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ)، قال: إن أصاب المسلمون من عدوهم غنيمة، قال المنافقون: (أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ)، قد كنا معكم فأعطونا غنيمة مثل ما تأخذون، (وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ) يصيبونه من المسلمين، قال المنافقون للكافرين: (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)، قد كنا نثبِّطهم عنكم. اللمازون روى البخاري في صحيحه عن أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ كُنَّا نَتَحَامَلُ، فَجَاءَ أَبُوعَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الْآخَرُ إِلَّا رِئَاءً. فَنَزَلَتِ: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ). الْآيَةَ.
  2. خطبة عن الحلال والحرام للشيخ محمد نبيه بمسجد العطار يوضح فيها تعريف الحلال والحرام ويبين قواعد الحلال والحرام في الإسلام. مقدمة عن الحلال والحرام قال تعالى : (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ). (سورة الأنعام: الآية 153) هذا الصراط المستقيم هو منهج المسلم، وطريقه الذي يسير فيه، وفقاً لأمر الله (افعل) و(لا تفعل)؛ لأن (افعل) يعني المسلك “الحلال”، الذي من سلكه فاز ونجا، و(لا تفعل) هو المسلك “الحرام”، الذي من سلكه ضل وهلك. ويبقى بين الخطين المستقيمين: افعل ولا تفعل، منطقة متداخلة، هي الأمور (المشتبهات)، التي يُقارب حلالها حرامها، وعلى المسلم أن يحذر منها، ويحتاط لنفسه. لذلك ورد أن من يترك الحلال خشية أن يقع في الحرام، فقد استبرأ لدينه أي حقق لدينه الكمال والبراءة من النقصان. ما هو تعريف الحلال لغة وشرعا؟ تعريف الحلال لغة هو: الفعل (حَلَّ) متشعب المعاني، ومنه حَلَّ الشيء يَحِلُ حِلاً: أُبيح وجاز. وأحلّ الله الشيء وحَلَّلَه: أباحه، ومنه قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا). (سورة البقرة: 275) واللفظ (حِلّ) بالكسر أي الحلال، وهو ضد الحرام، وأحل له الشيء جعله حلالاً له. واستحل الشيء عدّه حلالاً. أما تعريف الحلال شرعاً هو: الفعل الحسن الذي يُثاب فاعله ويفوز بمرضاة الله وهو المباح الذي انحلت عنده عقدة الحظر، وأذن الله في فعله. ما هو تعريف الحرام لغة وشرعا؟ تعريف الحرام لغة هو: حَرُمَ الشيء حُرْمَةً: صار ممنوعاً. وحَرُم عليه الشيء حُرْمَاً وحراماً: فهو غير مباح. وحَرَّم الله الشيء تحريماً، جعله محظوراً. أما تعريف الحرام شرعاً هو: هو الأمر الذي نهى الله عن فعله، نهياً جازماً، بحيث يتعرض من خالف النهي لعقوبة في الآخرة، وقد يتعرض لعقوبة شرعية في الدنيا أيضاً. وقد ورد في السنة النبوية الشريفة: (الْحلالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ). (سنن ابن ماجه:3358) وتشمل هذه الإباحة في الأصل، ليس فقط الأشياء التي ينتفع بها الإنسان في مأكله ومشربه وملبسه، بل تتعدى ذلك إلى الأفعال والتصرفات. سوى تلك التي من أمور العبادة وهي ما يسمى (العادات أو المعاملات) فالأصل فيها عدم التحريم، إلا ما حرمه الله، مثل الربا، أو بعض أنواع الأنكحة في الجاهلية. يقول الله تعالى في نص واضح وصريح على هذا المعنى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُم). (سورة الأنعام:119) الأعمال منها : عبادات وهي ما يتصل بما أوجبه الله وما أحبه، يثبت أمرها بالشرع. ومنها عادات وهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى. ما هي قواعد الحلال والحرام في الإسلام؟ الأصل في الأشياء الإباحة يقول الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا). (سورة البقرة:29) ويقول الله عز وجل: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ). (سورة الجاثية:13) ولقول الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ). (سورة لقمان:20) أيّ قضية سكت عنها الدين قضية مباحة لأن الأصل في الأشياء الإباحة لذلك لا حرام إلا ما ورد فيه نص صحيح صريح. إذاً النص غير صحيح أو النص صحيح ولكن غير صريح، نعود إلى أصل القاعدة الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صريح صحيح في تحريمها. لذلك المؤمن لا يعمل فكره إلا بالطريقة التالية؛ إن كنت ناقلاً فالصحة، إن كنت مدعياً فالدليل. لا يقبل شيئاً محرماً إلا بالدليل القطعي، طالبه بنص صحيح، قرآن كريم، حديث صحيح، حديث متواتر، حديث حسن، وطالبه بدلالة واضحة صريحة. أما أن تعتمد نصاً ضعيفاً، أو موضوعاً، أو أن تعتمد مدلولاً ظنياً، فهذا لا يجعل هذا الشيء حراماً. بالمناسبة أي إنسان مهما كان علمه محدوداً بإمكانه أن يقول لك: هذا حرام، لكن البطولة ليس في تحريم الحلال ولكن في إعطاء الرخصة مع الدليل، هذا حرام وهذا الدليل. واعلموا، هذا الشرع من عند الله الذي خلق فسوى وقدر فهدى، فعندما يتطاول الإنسان ويحرم ما أحله الله، أو يحلل ما حرمه الله، فقد ارتكب إثماً كبيراً لأنه جعل من نفسه مشرعا أشرك نفسه فيما لله. والله يقول : (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ). (سورة النحل:116) وهذا من أكبر المعاصي على الإطلاق. واعلموا أن في الشرع الإسلامي أشياء أمرنا الله بها، و أشياء نهانا الله عنها، وأشياء كثيرة جداً سكت الله عنها لم يأمرنا بها ولم ينهنا عنها هي المباحات. لذلك يمكن أن نقول: هناك أمر واجب، فرض، واجب مستحب أو مندوب، مباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام. فيجب أن يعقل عقل المؤمن دائماً، كل حركة، كل سكنة، كل تصرف، كل موقف، يجب أن يصنفه في أحد هذه الأحكام الستة، فرض، واجب، مندوب، مباح، مكروه تنزيهاً تحريماً، حرام. التحليل والتحريم من حق الله وحده اعلموا أن دائرة المباحات كبيرة جداً، وأن دائرة المحرمات صغيرة جداً، أي لو أخذنا نسبة المحرمات إلى نسبة المباحات لوجدنا أنها نسبة تكاد لا تذكر. عن أبي الدرداء: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا هذه الآية: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)). (المستدرك على الصحيحين:3/127) وعن أبى ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ تعالى فَرَضَ فرائِضَ فلا تُضَيِّعوها، وحَدَّ حُدودًا فلا تَعْتَدوها، وحرَّم أشياءَ فلا تَنْتَهكوها، وسَكَتَ عن أشياءَ رَحْمةً لكم غيرَ نِسيانٍ، فلا تَبْحَثوا عنها). (تخريج رياض الصالحين:1832) فالإباحة ليست متعلقة بالأعيان والذوات، تشمل الأفعال والعادات والتقاليد ما لم يأت نص في تحريمها. أصل العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى، يقول تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ). (سورة الشورى:21) ويقول تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا). (سورة يونس:59) أصل الحلال والحرام في العبادات أن الله شرعها ابتداء، بينما أصل المعاملات أن الناس ابتدؤها، لكن الشرع صححها، أو أقرها، أو عدلها، أو بدلها. قال بعض الصحابة الكرام – سيدنا جابر بن عبد الله – في الحديث الصحيح قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن). (صحيح مسلم:1440) هذه قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صحيح صريح في تحريمها. لا يستطيع إنسان كائناً من كان ولو كان نبيا أن يحرم من عنده أو أن يحلل، قال تعالى: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ). (سورة الأنعام:50) قال بعضهم ثلاث نصائح تكتب: اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع. أول كلمة في الخلافة التي ألقاها الخليفة الصديق عليه رضوان الله قال: إنما أنا متبع ولست بمبتدع. الله جلّ جلاله في القرآن الكريم نعى على أهل الكتاب أنهم جعلوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله. قال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). (سورة التوبة:31) فالتحليل والتحريم من حق الله وحده، الأنبياء يبلغون، والعلماء يبينون، والمشرع هو الله، هذه قواعد خطيرة وأساسية في علوم الدين. جاء عدي بن حاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد اتبع النصرانية قبل الإسلام، فلما سمع النبي يقرأ هذه الآية: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ). (سورة التوبة:31) قال: يا رسول الله! إنهم لم يعبدوهم، فقال عليه الصلاة والسلام: بلى إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم. روى الإمام الشافعي في كتابه (الأم) عن القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال: أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون الفتية. الحقيقة أجرؤكم على الفتية أجرؤكم على النار، كلمة كبيرة جداً أن تقول هذا حلال وهذا حرام، طبعاً إلا إذا كان هناك دليل يقيني كالشمس تقول له: هذا حلال أو هذا حرام. لذلك ترفع العلماء عن قول هذا حلال وهذا حرام من دون دليل قطعي. تحريم الحلال أو تحليل الحرام قرين الشرك يقول الله تبارك وتعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). (سورة الأعراف:33) حتى إن بعض أهل العلم قالوا إن أصل الفساد في الدين هو القول على الله بغير علم، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام خصّ تحريم الحلال بحديث خاص قال فيما رواه مسلم عن ابن مسعود: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون). (صحيح مسلم:2670) ومن التنطع سرعة الحكم بالحل والحرمة دون مسوغ شرعي، الإنسان بحاجة إلى خبير في أمور الدنيا، وبحاجة إلى خبير في أمور الآخرة، والقضية قضية ثقة من دون رسوم، فاسأل به خبيراً: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). (سورة النحل:43) عن عياض بن حمار المجاشعي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال فيما يرويه عن ربه جل جلاله أنه قال: (وإنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عليهم ما أَحْلَلْتُ لهمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بي ما لَمْ أُنْزِلْ به سُلْطَانًا). (صحيح مسلم:2865) أي فطرتهم كانت سليمة متوافقة مع الدين الحنيف فجاءت الشياطين فأبعدتهم فشوهت أمامهم معالم الدين، حرمت عليهم ما أحل الله، مثلاً امرأة يمكن أن ترضى من زوجها أن يزني ولا ترضى لزوجها أن يتزوج امرأة ثانية. فلذلك قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). (سورة الأحزاب:36) وقال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). (سورة الأعراف:32) في الحلال ما يغني عن الحرام من محاسن الإسلام ومما جاء به من تيسير على الناس أنه ما حرم شيئا عليهم إلا عوضهم خيرا منه مما يسد مسده، ويغني عنه، كما بين ذلك ابن القيم رحمه الله. حرم عليهم الاستقسام بالأزلام وعوضهم عنه دعاء الاستخارة. وحرم عليهم الربا وعوضهم التجارة الرابحة. وحرم عليهم القمار، وأعاضهم عنه أكل المال بالمسابقة النافعة في الدين بالخيل والإبل والسهام. وحرم عليهم الحرير، وأعاضهم عنه أنواع الملابس الفاخرة من الصوف والكتان والقطن. وحرم عليهم الزنا واللواط، وأعاضهم عنهما بالزواج الحلال. وحرم عليهم شرب المسكرات، وأعاضهم عنه بالأشربة اللذيذة النافعة للروح والبدن. وحرم عليهم الخبائث من المطعومات، وأعاضهم عنها بالمطاعم الطيبات. لا يوجد حرام إلا وله بدائل عشرات بل مئات بل ألوف، وهذا يعني بأنه ليس في الإسلام حرمان، فالله حرم الزنى وأحل الزواج، وكما حرم لحم الخنزير أحل مئات أنواع اللحوم، إذا حرم الخمر أباح الأشربة الطيبة، إذا حرم الربا أحل البيع. وهكذا إذا تتبعنا أحكام الإسلام كلها، وجدنا أن الله جل شأنه لم يضيق على عباده في جانب إلا وسع عليهم في جانب آخر من جنسه، فإنه سبحانه لا يريد بعباده عنتا ولا عسرا ولا إرهاقا، بل يريد اليسر والخير والهداية والرحمة. قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)). (سورة النساء) التحايل على الحرام حرام لا تساهم في الحرام لا من قريب ولا من بعيد، لا تقدم مشورة ولا نصيحة، أنا أعمل تزيينات لملهى، أنت ساهمت في هذا المكان الذي يُعصى الله فيه، لا كهرباء ولا تزيين قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ). (سورة المائدة:2) والتحريم سببه أن هذه المحرمات تضر أو إنها خبيثة، وهذه قاعدة عامة، أي شيء يضر الأصل أنه محرم، وأي شيء خبيث الأصل أنه محرم والله تبارك وتعالى قال: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ). (سورة الأعراف:157) التحايل على الحرام حرام، الإنسان بدل أن يرتكب الحرام صراحة يلتوي ويذهب إلى طريق أخر يوصل به إلى الحرام، هذه طريقة اليهود. حُرم عليهم الصيد يوم السبت، جعلوا حفراً على شاطئ البحر يوم الجمعة تأتي الحيتان إلى هذه الحفر، الجمعة مساءً يغلقون طريق العودة، الحيتان حصرت في هذه الأحواض، يصطادونها يوم الأحد. أنا لا أتعامل بالربا لكن أتبايع بالعينة احتيالا! بل إن بعض أهل العلم قالوا: أن الذي يتحايل على الحرام يأثم من جهتين، من جهة وقوعه في الحرام، ومن جهة أيضا احتياله على الله جل وعلا وهذا لا شك أنه استخفاف برب العالمين. ومن الحيل تسمية الشيء بغير اسمه وتغيير صورته مع بقاء حقيقته، مثلاً ليستحل طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع. مثلاً فن العمل الخليع اسمه فن، والخمر اسمه مشروبات روحية، والربا اسمها فائدة، لو غيرت الأسماء فالحقيقة ثابتة إذاً التحايل على الحرام حرام. فقد يؤدي المباح إلى الحرام ومنه جاءت قاعدة سد الذرائع الموصلة إلى ما حرم الله تعالى. من حكمة التشريع الإلهي أن جعل الإسلام للحرام حمى لمحاصرة الحرام وتضييق نطاقه، والوقاية من آثاره، بسد الذرائع وقطع سبل الغواية وطلب من المسلم أن لا يقترب من حمى الحرام حتى لا يتمادى به الأمر فيقع في الحرام. فحين حرم الله الزنا حرم كل مقدماته ودواعيه كالتبرج والخلوة الآثمة، والاختلاط المريب، والغناء الفاحش، والسهرات الماجنة وغيرها . وحين حرم الخمر لعن كل من يشارك أو يساهم فيها من قريب أو بعيد، عن أنس بن مالك قال: لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في الخَمرِ عشرةً: عاصرَها، ومُعتصرَها، والمعصورةَ لَهُ، وحاملَها، والمَحمولةَ لَهُ، وبائعَها، والمبيوعةَ لَهُ، وساقيَها، والمستقاةَ لَهُ، حتَّى عدَّ عشرةً، من هذا الضَّربِ. (صحيح ابن ماجه:2742) وحين حرم الربا، حرم كل عملياته، عن جابر بن عبدالله رضي الله قال: لَعَنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ. (صحيح مسلم:1598) حكم بيع السلاح في زمن الفتنة هو الحرمة؛ لأن من المحتمل أن يُقتل به إنسانا بريئا، وحكم بيع العنب لمن يعصره خمراً هو الحرمة مع أنه كان جائزاً. الحرام يحرم على الجميع ما يستثنى أحدا عندنا في دين الله الشريعة تطبق على الجميع، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا). (صحيح البخاري:3475) الشريعة هنا تطبق على الجميع، وليس عندنا تمييز في أحكام الشريعة . الضرورات تبيح المحظورات هذه القاعدة تحتاج إلى تفصيل، لكن أشير إليها إشارة؛ لأن بعض المحرمات يحتاج المسلم أحيانا إلى الوقوع فيها مضطرا، فالله تبارك وتعالى يرفع الحرج عنه لأن الشريعة جاءت لرفع الحرج، والله تبارك وتعالى يقول: (إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ). (سورة الأنعام:119) وقد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة. المباحات التي تفضي إلى المفاسد ثلاث: ما يكون إفضاؤه إلى المفسدة نادرا قليلا، فالحكم بالإباحة ثابت له بناء على الأصل، مثاله: زراعة العنب، فلا يمنع منها تذرعا بأن من الناس من يعصر منها الخمر، وتعليم الرجل النساء عند الحاجة، فلا يمنع منه تذرعا بالفتنة المفضية إلى الزنا، وكذا خروجهن من بيوتهن لمصالحهن، وشهودهن المساجد، ودور العلم، فتقاس المصالح والمفاسد، فإن كان جانب المصلحة راجحا – وهو الأصل في المباحات – فلا تمنع بدعوى (سد الذرائع) لمجرد ظن المفسدة، أو لورودها لكنها ضعيفة في مقابلة المصلحة. ما يكون إفضاؤه إلى المفسدة كثيرا غالبا، فالرجحان في جانب المفسدة فيمنع منه (سدا للذريعة) وحسما لمادة الفساد، مثاله: بيع السلاح وقت وقوع الفتنة بين المسلمين بقتال بعضهم بعضا، وإجارة العقار لمن علم أنه يتخذه لمعصية الله، ويلاحظ في هذا أن (سد الذريعة) إلى المفسدة عارض حيث يكون المباح موصلا إلى المحظور؛ وإلا فإن بيع السلاح، وإجارة العقار لا يمتنعان في ظرف عادي. ما يحتال به المكلف ليستبيح به المحرم، مثاله: الاحتيال على الربا ببيع العينة، وهو: أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به، فهذه الصورة من البيع حيلة محرمة بالنص، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذلاًّ لاَ ينزعُهُ حتَّى ترجعوا إلى دينِكُم). (صحيح أبي داود:3462) ومن القواعد أيضا: أن النية الحسنة لا تحلل الحرام ، وينتج عن هذا أن الغاية لا تبرر الوسيلة. قاعدة إتقاء الشبهات خشية الوقوع في الحرام.
  3. خطورة أكل الحرام وأثره للشيخ محمد نبيه يوضح فيها أهمية الحرص على الحلال وخطورة الغش وحال الغشاش يوم القيامة. خطر المال الحرام عباد الله: إن المتأمل في حياة الناس ليجد أن المصائب قد تزاحمت على عتبات البيوت، وما هذا إلا جراء ما قدمت أيدينا من مخالفات، كما قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ). (سورة الشورى:30) الجميع طامع في أن تتحول الأحوال إلى أحسنها، ولكن هذا الطمع يتأخر شيئاً فشيئاً، لماذا؟ لما وقع منا من معاصي وذنوب، وأشهر الذنوب في هذه الأيام تحصيل الحرام. والنبي صلوات الله وسلامه عليه كما جاء في صحيح الإمام البخاري من حديث الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال في الحديث: (لَيَأْتِيَنَّ علَى النَّاسِ زَمانٌ، لا يُبالِي المَرْءُ بما أخَذَ المالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِن حَرامٍ). (صحيح البخاري:2083) لا يشغله أن هذا حرام أو أن هذا حلال، كل ما يشغله أن يرجع إلى بيته وقد امتلأ جيبه، من أين؟ لا يشغل ولا يهم !!. وللأسف الشديد نرى هذا في زماننا، ونرى طرق الحلال قد تضايقت، وأصبح الحلال غير معروف بين الناس إلا من رحم ربي !. لماذا؟ لشهرة الحرام وطغيانه، وقد علمنا أن الحرام سبب من أسباب الحرمان. الحرص على الحلال عند مسلم في الصحيح أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال: (إنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بما أمَرَ به المُرْسَلِينَ، فقالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (سورة المؤمنون:51)، وقالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (سورة البقرة:172)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟!). (صحيح مسلم:1015) الشاهد في الرواية: كما أمر الله الرسل بالحرص على الحلال أمر به أتباع الرسل، المؤمنون لهم أمر من السماء أن يحرصوا على الحلال طعمة وكسوة. وفي الحديث أن الرجل ترى فيه صبغة المتواضعين وهيئة الخاشعين، لكنه مع هذه الصبغة والهيئة لايستجيب الله لدعاه ولا يرفع عمله، لماذا؟ لحرصه على الحرام. الشعث والغبر صفة المتواضع، وكثرة الأسفار صفة العاملين حج أو عمرة، ورفع اليد إلى السماء صفة المتخشعين، ولكن مع هذا كله لا قبول لعمله ولا ارتفاع له، لماذا؟ لأنه يحرص على الحرام. واليوم سنأخذ شريحة واحدة من شرائح الحرام وهيا “الغش“. خطورة الغش النبي صلوات الله وسلامه عليه دخل السوق يوماً لينظر حال أمته فرأى طعاماً فأعجبه، فأدخل يده في باطنه فرأى باطنه غير ظاهره، فقال: (ما هذا يا صاحبَ الطَّعامِ؟)، قال: أصابته سماء يا رسول الله. فقال: (فهلَّا جعَلْتَه فوقَ الطَّعامِ حتَّى يراه النَّاسُ، مَن غشَّنا فليس منَّا). (صحيح ابن حبان:4905) الطعام شعيراً كان أو بُراً أو قمحاً، جلس ليبيع والسوق عرض وطلب، جلس ليبيع، فأمطرت السماء، فابتل الطعام من أعلاه، فقلب ما في إناءه، جعل الأعلى أسفل والأسفل أعلى، حتى يموه عن المشتري. ثم إذا ذهب إلى بيته لا يشغله، أهم شيء أن يشتري ويذهب !. فضرب النبي صلوات الله وسلامه عليه يده الشريفة في الإناء فأخرج ما في باطنه فلم يعجبه فقال: (فهلَّا جعَلْتَه فوقَ الطَّعامِ حتَّى يراه النَّاسُ، مَن غشَّنا فليس منَّا). هيا فأنزل هذه الرواية على تعاملات الناس العامة، هل يسلم أحد من الغش حسب الرواية؟ لا يسلم إلا من اعتاد الصراحة، من اعتاد الصراحة يصيب الراحة كما ذكرنا سلفاً، لكن من لم يحب الصراحة ولم يتخلق بها ستراه منغمساً في الحرام. اليوم أي شيء يشتريه الإنسان لا يسلم من الغش، لا يسلم، لماذا؟ لحرص البائع على المكسب، أياً كان المكسب، لا يشغله ضرر غيره إنما يشغله أن يذهب آخر النهار وقد امتلأ جيبه. ويرى بعينه، ويحس بحسه، حال أناس سبقوه في هذا المضمار، ثم انتهت حياتهم وهم أحياء، جاءتهم بلوى ضيعت كل شيء، لكنه لم يتعظ بغيره. السعيد من يتعظ بغيره السعيد من الخلق من يتعظ بغيره وأشقى الناس من يتعظ بنفسه !! يعني يظل حتى يخبط في الحائط ثم يقول: آمنت ! هذا شقي، أما السعيد إذا رأى من غيره شيئا اتعظ به. في سنن البيهقي أن النبي صلوات الله وسلامه عليه نهى الناس أن يشوبوا اللبن بالماء، شوب اللبن يعني خلطه، قال: (لا تشُوبوا اللَّبنَ للبيعِ). (شعب الإيمان:4/1866) ثم ذكر قصة رجل من السابقين، قال: كان فيمن قبلكم رجل ضاقت به الأمور في بلده، فخرج إلى بلد أخرى، فاتجر في الخمر، فباع الخمر صرفاً فربح، ثم أغواه الشيطان، فشاب الخمر ماء – خلطها بالماء – فازداد ربحه. فلما ازداد ربحه وكثر ماله رأى أن يرجع إلى بلاده غير أنه قال: أريد أن أصطحب معي شيئاً إلى بلدي هدية لأهلي، فلم ير شيئاً في البلاد ليس في بلده إلا القرود، فاشترى قرداً. فلما اشترى القرد وركب به السفينة، ألهم الله القرد أن يعبث في متاع الرجل، فعبث القرد في متاع الرجل فأخرج صرة الدنانير، فأخذها وصعد شراع السفينة، وهو في أعلى السفينة فتح الصرة فجعل ديناراً في السفينة وديناراً في البحر، ديناراً في السفينة وديناراً في البحر. والرجل في اندهاش، وكل من في السفينة في اندهاش، ما هذا؟ لم يستطع أحد أن يلحق بالقرد فوق الشراع، خوفاً من الهلكة، ثم في آخر المطاف جاء الناس يعزون صاحب المال، يصبروه. وهو يقول لهم جملة واحدة: يقول لهم: مال الماء للماء، مال الماء للماء !! يبقى الحرام معلوم أمامنا لا يعمر بيتاً ولا يزهر أثراً طيباً على صاحبه، إنما الحرام يذهب بالحلال. كما قال الشاعر: جمع الحرام مع الحلال ليكثره دخل الحرام على الحلال فبعثره الحلال لا يقبل شريكاً، ومن ثم في الرواية: القرد قسم المال نصفين، وما تبقى مع الرجل إلا الحلال، أما الحرام ضاع في البحر. الغش في التجارة لذلك ما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً، ولا قص قصةً إلا ليفهم أصحابه، إلا ليفهم أصحابه، واليوم الغش في أكثر الأشياء، في أكثر تعاملات الناس غش. اليوم في الثياب، في الكسوة، تكون الصناعة معلومة، ثم يطبعون بدجاً مثل صنع في فرنسا أو في أمريكا أو في بريطانيا، ثم يبيع على أنها مستورد وهي محلية الصنع. هذا في الثياب وفي الطعام وفي كل شيء، في كل شيء، في الألبان، يأتي بالماء الدافئ ويحلب عليه، في السمن بطاطس مشوية دهمت وسط الزبد، هذا حال الناس ! لذلك البلاء زاد، البلاء زاد، لماذا؟ لأن الطعمة حرام، والكسوة حرام، والبدن نبت من حرام، ففي الدنيا خزي وفي الآخرة عار. في الآخرة عار لأن النبي عليه الصلاة وأزكى السلام قال في الحديث: (إنَّهُ لا يربو لحمٌ نبتَ من سحتٍ إلَّا كانتِ النَّارُ أولى بِهِ). (صحيح الترمذي:614) نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار. إخوتي الكرام، دع الحرام ناحية، الحلال كما تقول الأمثلة في مصر: الحلال بيمري، بيأثر في الإنسان. اليوم يطعم معك أشهى الطعام، وينقلب عنك ويقول فيك. كان زمان يقولون: العيش والملح بيطمر، كان بياكل عيش وملح ويطمر، يطمر يعني ايه؟ ميقدرش يقول فيك كلمة، وإن اغتابك أحد أمامه هجم عليه ورد غيبتك. لكن اليوم بياكل معاه أشهى الطعام حتى يشبع ومن بعدها يقول فيه وفي حقه، لماذا؟ لأن الطعمة امتاطت بالحرام. لذلك إخوتي الكرام الله الله في الحلال، الله الله في الحلال، يرتفع مع الحلال الدعاء، وتقبل مع الحلال الأعمال، وتنكشف مع الحلال الشدة، وتفرج الكروب. إذا ما أدى بنا إلى ما نحن فيه إلا الحرص على الحرام، نعوذ بالله من الحرام. وإن ذهبت إلى الأسواق، ترى ما يقلق، لا يسلم أحد، السوق فيه كل شيء، حتى قال الشاعر: هذا زمان الغش من طلب الغنى نفخ الدجاج وباعه أغناماً هذا تندر بأحوال الحريصين على أكل الحرام، وشهر الأضحية قادم وفي الأضاحي سترى عجباً. الحلال الحلال احرص على الحلال حرصك على نفس الهواء الذي لا حياة إلا به، كذلك الحلال الحلال. قال النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا، صدْقُ الحديثِ، وحفْظُ الأمانةِ، وحُسْنُ الخُلقِ، وعفَّةُ مَطْعَمٍ). (صحيح الجامع:873) تصدق في الحديث، تحرص على حسن الخلق، تحفظ الأمانة، تأكل لقمة طيبة حلال، عند ذلك أنت أغنى الناس في هذه الحياة. إخوتي الكرام، الحرام باب من يدخله يحرق، فاللهم إنا نسألك السعادة في الدنيا والآخرة، ونعوذ بك من خزي الدنيا وفضيحة الآخرة. إخوتي الكرام، الغش في كل شيء حتى أصبح الغش يستولى على كل شيء من أحوال الناس. فاحرص على الميزان الصحيح والبيع الصحيح، ثم اعلم أن الرزق مقسوم، لا يأتي الرزق بالفهلوة ولا بالشطارة، إنما الرزق مقسوم. والله تعالى الذي وعد بالرزق، أمر بالحركة، والذي أمر بالحركة أمر بالحلال، ومن ثم من عوامل التكسب أن تتحرك في الحلال. قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). (سورة الملك:15) كل منا طُلِبَ منه أن يسعى وأن يتحرك وأن يأكل من رزق الله، ثم في النهاية سؤال، (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)، سننشر يوم القيامة ونلقى الله رب العالمين، نلقى الله للإمتحان. قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا). (سورة الملك) الإمتحان، لقاء الله في القيامة للإمتحان، سنمتحن، ولا يعفى أحد من سؤال !!! قال الله تعالى: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ). (سورة الأعراف:6) الرسل سيسألون، الرسل، أعلى الخلقة منزلة سيسألون، ومن ثم لا يعفى أحد من سؤال، وأسئلة القيامة عندنا بها علم، قالها النبي عليه الصلاة وأزكى السلام: (لا تزولُ قدَما العبدِ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عن عمرِه فيما أفناهُ وعن شبابهِ فيما أبلاهُ وعن مالهِ من أين اكتسبَهُ وفيما أنفقَهُ وعن علمهِ ما عمِلَ به). (سنن الترمذي:2416) من أين وفيم؟ من أين اكتسب؟ وفيم أنفق؟ من حلال وفي حلال هناك من يحرص على الحلال ويكتسب وينفق الحلال في حلال، وهناك من يحرص على الحلال ولكنه ينفق الحلال في حرام، وهناك من لا يبالي يحرص على الحرام وينفق في حلال، وهناك من يحرص على الحرام وينفق في حرام. الذي حرص على الحلال وأنفق في حلال أعلى الناس رتبة، أعلاهم رتبة أعلاهم مكانة، ومن جمع الحلال وأنفق في حرام مسئول، نجح في أول سؤال من أين؟ يارب من حلال، وأين؟ أنفق في حرام، ومن ثم هذا هالك. ومن جمع من حرام وأنفق في حلال، جمع بالغش وبنى مساجد، جمع بالغش وأنفق على الأرامل، جمع بالغش وأنفق في وجوه الخير، هالك هالك هالك !! لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً لأن الله طيب ولا يقبل إلا الطيب. ومن جمع من حرام وأنفق في حرام هلك متحققة، هلكة فوق هلكة، لذلك بارككم الله احرص على الحلال حرصك على الهواء، واعلم أن رزقك لا ينقصه التأني كما يقول الشاعر، ولا يزيد في الرزق العناء. ومن ثم لتكن عندك القناعة، اقتنع بالحلال ترى أثره في النفس والذرية والمال، طاعم الحلال البركة فيه وفي ذريته، طاعم الحلال الحريص عليه البركة فيه وفي ذريته. والحال مشاهد، ممكن يكون إنسان معيل عنده عشرة من الولد، ولكنه أجري شغال باليومية، وبعدين قبل أن يموت الله تعالى يزينه في حياته بذريته، يعلم العشرة، والعشرة يتبوأون مناصب عالية، وأبوهم رجل بسيط الحال، لكنه كان حريصاً على الحلال. والآخر، ملأ وكنز أمواله أسفل البلاطة، والأولاد كلهم صيع ضيع، وممكن يكون تحت البلاطة وأولاده في خير وعافية، بلاء زائد. حال الغشاش يوم القيامة ومن ثم افهم باركك الله، الغش حرام كبير، ودليل أنه كبير براءة النبي عليه الصلاة وأزكى السلام من فاعليه، قال: (من غَشَّنا فليس مِنَّا). (الترغيب والترهيب:3/33) ليس من طريقتنا الغش وليس من أتباعاً من يغش. الغشاش سيأتي الحوض يوم القيامة يوم الظمأ العظيم، وهو طامع في الشرب ثم تطرده الملائكة، فيقول النبي: (هؤلاء من أمتي!). عرفهم بعلامات الوضوء، عرفهم بالغرة والتحجيل، لكنهم يقولون: يا محمد، لكنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فقد غيروا في دينهم وبدلوا، غشوا والتزموا الغش على أنه دين، غيروا وبدلوا، ومن ثم يطرد. فيقول: (ويحاً، بُعداً بُعداً سُحقاً سُحقاً). ومن ثم خشية الحرج في يوم طويل الهول شديد الكرب، علينا أن نحرص على الحلال، عسى الله تعالى أن يحول حالنا إلى أحسن حال.
  4. خطبة عن الوقت وأهميته بعنوان (المقت في إهدار الوقت) للشيخ محمد نبيه يوضح فيها أهمية الوقت في حياة الفرد والمجتمع ويبين كيفية إدارة الوقت واستخدامه. ﺃﻫﻤﻴﺔ اﻟﻮﻗﺖ ﻓﻲ اﻟﻘﺮﺁﻥ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻟﻘﺪ ﺃﻛﺪ اﻟﻘﺮﺁﻥ اﻟﻜﺮﻳﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻤﻴﺔ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺮاﺭاً، ﻭﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻭﺑﺼﻴﻎ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ؛ ﻣﻨﻬﺎ: اﻟﺪﻫﺮ، اﻟﺤﻴﻦ، اﻵﻥ، اﻟﻴﻮﻡ، اﻷﺟﻞ، اﻷﻣﺪ، اﻟﺴﺮﻣﺪ، اﻷﺑﺪ، اﻟﺨﻠﺪ، اﻟﻌﺼﺮ، ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ اﻷﻟﻔﺎﻅ اﻟﺪاﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻄﻠﺢ اﻟﻮﻗﺖ. ﻭﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﺒﻌﻀﻬﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ ﻭﻃﺮﻗﻪ، ﺃﻭ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻹﺩاﺭﺓ ﻭﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ، ﺃﻭ ﺗﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻜﻮﻥ ﻭاﻟﺨﻠﻖ، ﺃﻭ اﺭﺗﺒﻂ ﺑﻌﻼﻗﺔ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﺮﺑﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﻭاﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺗﻠﻤّﺲ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ: اﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ ﺃﺻﻮﻝ اﻟﻨﻌﻢ: ﺇﻥ ﻧﻌﻢ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﺎﺩ ﻻ ﺗﻌﺪ ﻭﻻ ﺗﺤﺼﻰ، ﻗﺎﻝ ﺟﻞ ﺷﺄﻧﻪ: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا). (سورة النحل:18) ﻭﻣﻦ ﺃَﺟَﻞِّ ﺗﻠﻚ اﻟﻨﻌﻢ ﻭﺃﻋﻈﻤﻬﺎ ﻧﻌﻤﺔ اﻟﻮﻗﺖ، اﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﺻﻮﻝ اﻟﻨﻌﻢ، ﻓﺎﻟﻮﻗﺖ ﻫﻮ ﻋﻤﺮ اﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻣﻴﺪاﻥ ﻭﺟﻮﺩ اﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺳﺎﺣﺔ ﻇﻠﻪ ﻭﺑﻘﺎﺋﻪ ﻭﻧﻔﻌﻪ ﻭاﻧﺘﻔﺎﻋﻪ. ﻭﻗﺪ ﺃﺷﺎﺭ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﻟﻰ ﻋِﻈﻢ ﻫﺬا اﻷﺻﻞ ﻓﻲ ﺃﺻﻮﻝ اﻟﻨﻌﻢ، ﻭﺃﻟﻤﺢ ﺇﻟﻰ ﻋُﻠﻮّ ﻣﻘﺪاﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ، ﻓﺠﺎءﺕ ﺁﻳﺎﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺗﺮﺷﺪ ﺇﻟﻰ ﻗﻴﻤﺔ اﻟﺰﻣﻦ ﻭﺭﻓﻴﻊ ﻗﺪﺭﻩ ﻭﻛﺒﻴﺮ ﺃﺛﺮﻩ. آيات ورد فيها “الوقت” (إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ). (سورة الحجر:38) (إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ). (سورة ص:81) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ). (سورة البقرة:189) (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا). (سورة النساء:103) (وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً). (سورة الأعراف:142) (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ). (سورة الأعراف:143) (وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا). (سورة الأعراف:155) (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ). (سورة الأعراف:187) (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ). (سورة الشعراء:38) (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ). (سورة الدخان:40) (لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ). (سورة الواقعة:50) (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ). (سورة المرسلات:11) (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا). (سورة النبأ:17) (وَالْفَجْرِ). (سورة الفجر:1) (وَالْعَصْرِ). (سورة العصر:1) معنى أُقِّتَتْ في القرآن الكريم (أُقِّتَتْ): جُعل لها وقت واحد. قيل: هو يوم القيامة. أو جعل لها وقت واحد للفصل في القضاء بين الأمة. وقت الوقت: نهاية الزمان المفروض للعمل، ولهذا لا يكاد يقال إلا مقدرا نحو قولهم: وقت كذا: جعلت له وقتا، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (سورة النساء:103)، وقوله: (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ). (سورة المرسلات:11) والميقات: الوقت المضروب للشيء، والوعد الذي جعل له وقت. قال عز وجل: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) (سورة الدخان:40)، (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) (سورة النبأ:17)، (إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (سورة الواقعة:50)، وقد يقال الميقات للمكان الذي يجعل وقتا للشيء، كميقات الحج. وقد جاء في تفسير الجلالين (وإذا الرسل أُقتت) بالواو وبالهمزة بدلا منها، أي جمعت لوقت. ومعنى الآية: وإذا الرسل عُيِّن لهم وقت وأجل للفصل بينهم وبين الأمم، يقال: لأيِّ يوم عظيم أخِّرت الرسل؟ أخِّرت ليوم القضاء والفصل بين الخلائق. وما أعلمك – أيها الإنسان – أيُّ شيء هو يوم الفصل وشدته وهوله؟ هلاك عظيم في ذلك اليوم للمكذبين بهذا اليوم الموعود. أهمية الوقت في السنة روى الحاكم في المستدرك عن أبن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغِكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ). (المستدرك:7846) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها). (صحيح الأدب المفرد:371) روى الترمذي عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (لا تزولَ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عُمُرِهِ فيمَ أفناهُ؟ وعن علمِهِ فيمَ فعلَ فيهِ؟ وعن مالِهِ مِن أينَ اكتسبَهُ؟ وفيمَ أنفقَهُ؟ وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ؟). (سنن الترمذى:2417) وفي صحيح البخاري: (نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ). روى البخاري، والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نِعمتانِ مَغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ). (صحيح البخاري:6412) (مَغْبُونٌ): معنى الغبن أن تشتري بالغالي وتبيع بالرخيص. (كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ) أيْ: الذي يُوَفَّقُ لذلك قليلٌ فقد يكون الإنسانُ صحيحاً، ولا يكون متفرِّغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا، ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا – الصحةُ والفراغُ – فغَلَبَ على الإنسان الكسلُ عن الطاعة فهو المغبونُ، والغبنُ أنْ تشتريَ بأضعافِ الثمنِ، وأنْ تبيعَ بأقَلّ مِن ثمنِ المِثْلِ. لقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قيمةَ الوقت، فجعله ظرفاً لبطولاتٍ تعجزُ عن صنعَها الأممُ والشعوبُ، حتّى أقسمَ اللهُ في عليائه بِعُمُرِ رسوله الثمينِ، فقال تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ). (سورة الحجر:72) أهمية تنظيم الوقت كلٌّ ﻣﻨﺎ ﻳﻤﺘﻠﻚ ﺃﺭﺑﻌًﺎ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﺎﻋﺔ ﻳﻮﻣﻴﺎً، ﻭﺳﺒﻌﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻓﻲ اﻷﺳﺒﻮﻉ، ﻭاﺛﻨﻴﻦ ﻭﺧﻤﺴﻴﻦ ﺃﺳﺒﻮﻋﺎً ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ، ﻭﺑﺎﻹﺩاﺭﺓ اﻟﻔﻌَّﺎﻟﺔ ﻳﻤﻜﻦ اﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ اﺳﺘﺨﺪاﻡ ﻟﻠﻮﻗﺖ ﺑﺸﻜﻞ ﺃﻓﻀﻞ، ﻭﺇﻟﻰ اﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ اﻹﻧﺠﺎﺯ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻤﺎﺕ ﻓﻲ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻬﺎ. ﺇﻥ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ اﻟﻮﻗﺖ ﺑﻌﻴﻦ اﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻘﻘﻮﻥ ﺇﻧﺠﺎﺯاﺕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻭاﻟﻤﻬﻨﻴﺔ، ﻭﻫﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﻥ اﻟﻮﻗﺖ ﻗﻠﻴﻞ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ، ﻭﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻥ اﻟﻤﺮء اﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻬﺘﻢ ﻛﺜﻴﺮاً ﺑﺎﻹﻧﺠﺎﺯاﺕ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻮﻗﺖ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺫﻭ ﻗﻴﻤﺔ ﻗﻠﻴﻠﺔ. ﻭﺗﺒﻘﻰ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻮﻗﺖ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺩﻭﻣﺎً ﺑﻮﺟﻮﺩ اﻹﻧﺴﺎﻥ، ﺇﺫ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻣﻔﻬﻮﻣﻬﺎ ﻃﺒﻘﺎً ﻻﺧﺘﻼﻑ اﻟﺪﻭاﻓﻊ ﻭاﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﻭﻃﺒﻴﻌﺔ اﻟﻤﻬﻤﺎﺕ ﻭاﻷﻋﻤﺎﻝ اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ. ﻛﻤﺎ ﺗﺆﺛﺮ اﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻭاﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﻭاﻟﻌﺎﺩاﺕ ﺃﻳﻀﺎً ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺷﻜﻞ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭاﻟﻮﻗﺖ. اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﻣﻘﺪاﺭ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﻤﺘﻮاﻓﺮ ﻟﻜﻞٍ ﻣﻦ ﻫﺆﻻء، ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺇﺩاﺭﺓ ﻫﺬا اﻟﻮﻗﺖ ﻭاﺳﺘﺨﺪاﻣﻪ. كيفية إدارة الوقت واستخدامه إدارةَ الوقتِ هي: تحديدُ هدفٍ، ثم العمل لتحقيقُه قال تعالى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (سورة الملك:22)، ولا شكّ أنّ مَنْ يمشي إلى هدفٍ وغايةٍ واضحةٍ أهدى مِمَّن يَخبِطُ خَبْطَ عشواء، هذه حقيقة. إدارة الوقت: الوقتُ مَوْرِدٌ نادرٌ، لا يمكن تجميعُه، ولأنّه سريعُ الانقضاءِ، وما مضى منه لا يرجع، ولا يعوَّض بشيء، كان الوقتُ أنفسَ وأثمنَ ما يملكُ الإنسانُ، وترجعُ نفاستُه إلى أنه وعاءٌ لكلِّ علمٍ، ولكلِّ عملٍ، ولكلِّ عبادةٍ، فهو في الواقعِ رأسُ المالِ الحقيقيّ للإنسانِ، فرداً ومجتمعاً. ومن إدارة الوقت علو الهمة: إنما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادة وسير الليل، فإذا حاد المسافر عن الطريق ونام الليل كله، فمتى يصل إلى مقصده؟ الجد بالجد والحرمان في الكسلِ فانْصبْ تُصِبْ عن قريبٍ غايةَ الأملِ فعليك يا طالب العلم أن تجد في التحصيل، فإن الأمر كما قال ابن الجنيد: “ما طلب أحد شيئًا بجد وصدق إلا ناله، فإن لم ينله كلَّه نال بعضه”. فهذا هو علو الهمة في طلب العلم: غيرة على الوقت أن ينفق في غير فائدة. وعزم يبلي الجديدان وهو صارم صقيل. وحرص لا يشفى غليله إلا أن يفترق من موارد العلوم بأكواب طافحة. وغوص في البحث لا تحول بينه وبين نفائس العلوم وعورةُ المسلك، ولا طولُ مسافةِ الطريق. وألسنة مهذبة لا تقع في لغو ومهاترة، كيف لا وقد شغلت بالحق، فأشغلها عن الباطل. لقد كان حالُ سلف الأمة في طلب العلم، ونشره، والتصنيف فيه حالًا عجيبًا، استثمروا فيه أوقاتهم، وأفنَوْا شبابهم، فحصَّلوا ما يدهش العقول، ويبهر الألباب، ويستنهض الهمم، فهيا إلى مطالعة أحوالهم، والاقتداء بهديهم، والسير على سننهم. وحدثتني عنهم يا سعد فزدتني بهم غرامًا، فزدني من حديثك يا سعدُ! وقال آخر: كَرِّرْ عليَّ حديثهم يا حادي فحديثهم يُجلي الفؤادَ الصادي الحرص على طلب العلم الشريف العلم صناعة القلب وشغله فما لم تتفرغ لصناعته وشغله لم تنلها، وله وجهة واحدة، فإذا وُجَّهَتْ إلى اللذات والشهوات انصرفت عن العلم، ومن لم يُغَلِّبْ لذةَ إدراكِه العلمَ وشهوته على لذة جسمه وشهوة نفسه؛ لم ينل درجة العلم أبدًا، فإذا صارت شهوته في العلم، ولذته في إدراكه؛ رجي له أن يكون من جملة أهله، ولذلك كان علماؤنا – رحمهم الله تعالى – يحرصون على العلم وجمعه حرصًا ليس له نظير، وهاك أمثلة من ذاك: عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كنتُ أنا وجارٌ لي من الأنصار – هو أوسُ بن خَوَليِّ الأنصاري – في بني أمية بن زيد – أي: ناحية بني أمية -، وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوَبُ النزول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينزل يومًا وأنزل يومًا، فإذا نزلتُ جئتُه بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسألْ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحَاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن فيهم؟، قال: فتركت ذاك، وأقبلتُ أسأل أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، يسفي الريح عليَّ من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول صلى الله عليه وسلم ما جاء بك؟ هلا أرسلتَ إليَّ فآتيك؟، فأقول: لا؛ أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني، فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني. ولما فُتحت البلاد آثر ابن عباس من أجل العلم ظمأ الهواجر في دروب المدينة ومسالكها على الظلال الوارفة في بساتين الشام، وسواد العراق، وشطآن النيل ودجلة والفرات، قال رضي الله عنه: لما فُتحت المدائن أقبل الناس على الدنيا، وأقبلتُ على عمر رضي الله عنه. لكل بني الدنيا مراد ومقصَدُ وإن مرادي صحةَ وفراغُ لأبلغ في علم الشريعة مبلغًا يكون به في للجِنان بلاغ وفي مثل هذا فلينافس أولو النهى وحسبي من الدنيا الغَرور بلاغُ فما الفوز إلا في نعيم مُويَّدٍ به العينُ رَغْدٌ والشراب يُساغ وأسمعه رضي الله عنه يخبر عن دأبه في طلب العلم قال: كنت آتي باب أبيِّ بن كعب، وهو نائم، فأقيل على بابه، ولو علم بمكاني، لأحب أن يوقَظ لي لمكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكني أكره أن أملَّه. وقال رضي الله عنه: كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، فأسألهم عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نزل من القرآن في ذلك، وكنت لا آتي أحدًا إلا سُرَّ بإتياني لقربي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أسأل أبيَّ بن كعب يومًا، وكان من الراسخين في العلم، عما نزل بالقرآن في المدينة؟ فقال: نزل بها سبعٌ وعشرون سورة وسائرها بمكة. قال الشافعي رحمه الله: حفظت (القرآن) وأنا ابن سبع سنين، وحفظت (الموطأ) وأنا ابن عشر سنين. وقال رحمه الله: فلما ختمت القرآن، دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء، وكنت أسمع الحديث أو المسألة فأحفظها، ولم يكن عند أمي ما تُعطيني أشتري به قراطيس! فكنت إذا رأيت عظمًا يلوح، آخذه فأكتب فيه، فإذا امتلأ طرحتُه في جَرَّةٍ كانت لنا قديمًا. وقال أيضًا رحمه الله: لم يِكن لي مال، وكنت أطلب العلم في الحداثة – أي: في مستهل عمره، وكانت سنه أقل من ثلاث عشرة سنة – وكنت أذهب إلى الديوان أستوهِبُ الظهور – أي: ظهورَ الأوراق المكتوبِ عليها – فأكتب فيها. قال ابن أبي حاتم: سمعت المزني يقول: قيل للشافعي: كيف شهوتك للعلم؟ قال: أسمع بالحرف – أي: بالكلمة – مما لم أسمعه، فتود أعضائي أن لها أسماعًا تتنعم به ما تنعمت به الأذنان، فقيل له: كيف حرصك عليه؟ فقال: حرص الجموع المنوع في بلوغ لذته للمال، فقيل له: فكيف طلبك له؟ فقال: طلب المرأة المضلة ولدها ليس لها غيره. وهذا (محمد بن سلام) شيخ البخاري، كان في حال الطلب جالسًا في مجلس الإملاء، والشيخ يحدِّث ويملي، فانكسر قلمُه، فأمر أن يُنادَى: (قلم بدينار) فتطايرت إليه الأقلام. ومن أراد الزيادة فليقرأ كتاب (علو الهمة) للمقدم. قيمة الوقت في الحكم العطائية: رُبَّ عُمُرٍ اتَّسعت آمادُه، وقلَّتْ أمدادُه، ورُبَّ عُمُرٍ قليلةٌ آمادُه، كثيرةٌ أمدادُه، ومَنْ بوركَ له في عُمرِه أدركَ في يسيرٍ مِنَ الزمنِ مِنَ المِنَنِ ما لا يدخلُ تحتَ دائرةِ العبارةِ، ولا تلحقُه وَمْضَةُ الإشارةِ، الْعجب مِمَّن يَدعِي الْعقل والتمييز وَهُوَ جَاهِل بنفاسة الْوَقْت الغزيز يفرح بِرِبْح الفانيات وَهُوَ مغبون ويعد فِي عرف أهل الدُّنْيَا عَاقِلا وَهُوَ عِنْد أهل الْآخِرَة مَجْنُون كم ورع لِلْعَقْلِ منا وَهُوَ مَجْنُون يعْتَقد الرِّبْح وَهُوَ مغبون.
  5. خطبة عن صفات المؤمنين في القرآن الكريم من خطب الجمعة للشيخ محمد نبيه يوضح فيها أن من صفات المؤمنين الصدع بالحق ويذكر الآيات القرآنية الدالة على ذلك. من صفات المؤمنين الصدع بالحق الآيات القرآنية الآمرة بالصدع بالحق، كثيرة جدًّا منها: قال جل وتقدس: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ). (سورة آل عمران:110) وقال جل وتقدس: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ). (سورة الحج:41) وقال جل وتقدس: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ). (سورة التوبة:71) ففي الآيات معاني مهمة هدفنا بيانها لندين لله بها: أولها: أن خيريةَ هذه الأمة مرهونة بالقيام بشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الشريعةُ شرطٌ في حصول الخيرية، فإن انتفى الشرط لم يتحقق المشروط، واستوى التاركُ من هذه الأمة بغيره من أفراد الملل الأخرى. فالإبعاد والطردُ النازل على ملة بني إسرائيل وغيرهم من الملل الملعونة المطرودة من رحمة الله إنما حصل بعد تركهم الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر؛ قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)). (سورة المائدة) ففي الآيةُ أن اللعنَ مترتب على المعصية، ثم بيَّنت المعصية بأنها ترك النهي عن المنكر؛ فهذه الآية تبين قيمة الصدع بالحق، وأنها صفةٌ توجب للعبد الإيمان، وحبَّ الله تعالى له، كما أن تركها يوجب له البُغْض واللعنة والطرد. وعلامة الطرد أن خيار القوم يتقدمون العامة في الدعاء أيام الفتن ولا يستجاب لهم، وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح عن حذيفة بن اليمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ، ولتنهَوُنَّ عن المُنكَرِ، أو ليوشِكَنَّ اللهُ أنْ يبعَثَ عليكم عِقابًا منه، ثم تَدْعونَهُ فلا يُستجابُ لكم). (سنن الترمذي:2169) وهذا الأمر كان السلفُ على بيِّنة منه، وكانوا يتحرَّوْن المنكر وينكرونه بقلوبهم وألسنتهم وأيديهم، ولك مثال في ذلك. ما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف ﻋﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ، ﻗﺎﻝ: “ﻛَﺎﻧُﻮا ﺇِﺫَا ﺭَﺃَﻭُا اﻟﺮَّﺟُﻞَ ﻻَ ﻳُﺤْﺴِﻦُ اﻟﺼَّﻼَﺓَ ﻋَﻠَّﻤُﻮﻩُ”، قال سفيان: “ﺃَﺧْﺸَﻰ ﺃَﻥْ ﻻَ ﻳَﺴَﻌَﻬُﻢْ ﺇِﻻَّ ﺫﻟﻚ”. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف عن محمد بن إسحاق، عمن رأى عبدالرحمن الأعرج أنه نظر إلى رجل يصلي في المسجد صلاة سوء، فقال له عبدالرحمن: قُمْ فصلِّ، فقال: قد صليت، قال: لا والله لا تبرح حتى تصلي، قال: ما لك ولهذا يا أعرج؟ قال: والله لتصلين أو ليكونن بيني وبينك أمر يجتمع علينا أهل المسجد، قال: فقام الرجل فصلى صلاة حسنة. فأنت ترى كيف كان حرص القوم على تغيير المنكر، وكيف كانت شدتهم في ذلك. وابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف عن معمر، قال: “ﻛَﺎﻥَ ﻳُﻘَﺎﻝُ: ﺃَﻧْﺼَﺢُ اﻟﻨَّﺎﺱِ ﺇِﻟَﻴْﻚَ ﻣَﻦْ ﺧَﺎﻑَ اﻟﻠَّﻪَ ﻓِﻴﻚَ”. ولو أن أحدًا صنع مثل هذا الصنيع في أيامنا لاتُّهِمَ بالتهور والتخلف، وهذا يدلك على ضعف الغَيرة الدينية، وطمس الهوية الإسلامية، واشتغال كل فرد بشأنه وخاصة أمره. وعلى هذا فشريعة الأمر بالمعروف هي معلم يدل على هوية الأمة وأن الأمة ذاتٍ واحدة، و أفرادها كتلة منسجمة كأنهم أهل بيت واحد، ولأجل هذا المعنى وصَف الله تعالى المؤمنين بوصف الأخوَّة؛ قال جل وتقدس: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). (سورة الحجرات:10) فالأخوة تعني شدة التقارب الذي يجب أن يحصل بينهم، حتى تسقط بينهم الكلفة، ويبقى أمرهم على السجية، كما كان الشأن بالنسبة للصحابة رضوان الله عليهم، وهو معنى مغيب في هذا الزمن، ولا يسعى إليه حر غيور إلا أتهم بالمغفل، وهذا أمر يجعل القلب يتألم من شدة الكمد والألم، جراءَ ما آل إليها حال خاصة المسلمين. فالأخ الصحيح من يضر نفسه لينفع أخاه كما قال علي بن أبي طالب: “إن أخاك الحق من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك”. المعنى الثاني: أن اللهَ تعالى جعل الأمر بالمعروف في سياق ذِكر أركان الإسلام، وفيه تلميح إلى كون شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في رتبة أركان الإسلام التي يقوم الدِّين عليها، وتركها ترك للدِّين وانسلاخ منه، بل قد رتب جل وعلا الإيمان على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أمر حاصل؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمِّ الأعمال التي تقوِّي إيمان العبد وتزيده يقينًا، بل حصوله من العبد يدل على تحققه بالإيمان؛ لأن حمل هم الشيء يدل على حبه، وحبه يدل على التحقُّق به، ولا يحمل همَّ شرائع الإسلام وإقامة أحكامه منافق. المعنى الثالث: في أن الله تعالى رتب حصول الاستخلاف على تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالأمة التي تترك الأخذ على يد الظالم، وتهاب أن تغير المنكَر بالقلب والقول واللسان أمةٌ غير جديرة بالاستخلاف في الأرض، بل حقها أن تكون في ذيل الأمم، يسومونها صنوف الذل والهوان. فقد بيَّن الله تعالى أنه يمكِّن للذين إذا مُكِّنوا أقاموا الصلاة، وهو حق الله تعالى، وآتَوُا الزكاة، وهو حق العباد، وأمروا بالمعروف ونهَوْا عن المنكر، وهو الميزان الذي يحفظ بقاء ودوام أداء حقوق الله تعالى وحقوق عباده؛ فاختصاصُه تعالى لهذه الثلاث بالذِّكر فيه دلالةٌ واضحة على أن حفظ حقوقه وحقوق عباده لا يكونُ إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر. المعنى الرابع: في أن المعروف والنهي عن المنكر علامة ولاء المؤمنين لبعضهم بعضًا: فإن اتفاق الناس على أمر واحد، لا يهمهم منه إلا حصول مقصد واحد، يجعل قلوبهم مؤتلفة، متماسكة في حصول هذا المقصد وتحقيقه، وكلما زاد هذا السعي الصادق زاد التمسك والتلاحم والأُلْفة، إلى أن تبلغ الغاية من بناء المؤمنين المرصوص الذي عناه الله جل وتقدس: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ). (سورة الصف:4) وفي الصحيحين عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا). (صحيح مسلم:2585) المعنى الخامس هو: أن الله تعالى جمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإيمان به في موضع واحد، ولم يزد عليهما شيئًا، وإنما قال: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ). (سورة آل عمران:110) فدلَّ على الارتباط بين الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل بعد ذلك قال جل وعلا: (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) (سورة آل عمران:110)، أي لو أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر لنجوا من اللعن. ثم ذكر بعد سياق الآيات أسباب كفر أهل الكتاب، وأهم هذه الأسباب تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه تنبيه لأمة الإسلام ألا يتبعوا الخطوات التي وقع فيها أهل الكتاب حتى وقعوا في الكفر؛ فهذه الشريعة هي روح الإيمان وركيزته التي من دونها يذوب الإيمان في قلب العبد كما يذوب الملح في الماء، حتى يبقى شبحًا خاليًا من الحياة ونور الهداية والتوفيق. وإنما استُحِبَّتِ العزلة عند شيوع المنكَرات وذيوعها؛ لأن النظر إلى المنكر مع عدم القدرة على إنكاره يؤدي إلى فساد القلب، فشرعت العزلة وقتها للحفاظ على الغَيرة الإيمانية المتجلية في تغيير المنكر، ولو خالط المسلم أهل الفجور وصبر على منكراتهم، دل على نقص إيمانه، فإن انتقل إلى استساغة هذه المنكرات ومجالسة أهلها، دلَّ على خراب قلبه، وخُلوِّه من الغيرة على محارم الله. ويدل عليه ما جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) (صحيح مسلم:49)، أي: وتلك أقل درجات الإيمان، التي ليس بعدها من الإيمان شيء، وهي الإنكار القلبي. وعلى هذا، يتبيَّن أن مخالطة أهل المنكر علامة على ضعف إيمان صاحبه، ولو كان في قلبه شيء منه لأنكر أو اعتزل، وقد اشتد البلاء في هذا الزمان، حتى لا يكاد امرؤ يجتنب المنكرات إلا بلزوم بيته أو يهرب إلى شِعب من الشِّعاب بين فِجاج الجبال، ولا يكون ذلك إلا لمن نبذ الدنيا وراء ظهره، ورضي بقليل القوت، وذلك تحقيق ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود كما بدأ غريبًا؛ فطوبى للغُرَباء). (صحيح مسلم:145) من أمثلة الصدع بالحق قول الله جل وتقدس: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَٰنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)). (سورة يس) وقوله جل وتقدس: (وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (٣٨) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (٤٠) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٤٤) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (٤٥)). (سورة غافر) خلاصة القول أن الحق في الصدع بالحق .
  6. # ما هي السيرة النبوية؟ # تعريف السيرة النبوية في اللغة هي السنة والطريقة والحالة التي عليها الإنسان، أما اصطلاحا فهي علم يبحث في حياة الرسول منذ مولد الرسول صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول في عام الفيل، إلى حين وفاته في ربيع الأول من السنة الحادية عشر للهجرة. وتتضمن السيرة النبوية نشأة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياته قبل الزواج وبعد الزواج، وقبل النبوة والرسالة وبعد النبوة والرسالة، وأعماله قبل النبوة وبعدها، وتتضمن أيضاً معجزاته، وأخلاقه كنبي وقائد وزوج وأب وجد، سائر حياته، ليلاً ونهاراً، مستيقظاً ونائماً، مقيماً ومسافراً، مريضاً وصحيحاً، سواء كان في مكة المكرمة أو في المدينة التي نورها الله بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها والموت والدفن بها. # لماذا ندرس السيرة النبوية؟ # للتعرف على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من جهات شتى: (بشر) يصيبه ما يصيب البشر.(نبي) يتميز ببشريته عن البشر بميزات.(قائد) قاد أمة لم يشهد الزمان مثيلها.(عالم) يستقبل الأسئلة ويجيب عليها.(زوج) في بيته وفي أهله كيف يعامل أزواجه وكيف يعامل أهله؟كذلك التعرف عليه من خلال معاملاته للصغار والكبار والجيران والأرحام والحيوانات.بل والتعرف عليه في معاملاته مع أعدائه، كيف كان يتعامل مع أعدائه؟والتعرف عليه كيف كان حاله مع الأنبياء والمرسلين؟هل أتى بشيء لم يأتى به من سبقه من الرسل؟ أم جاء تابعاً لمن سبق؟وما هي درجته وسط النبيين صلوات الله عليهم أجمعين؟وهل عاب على نبي أم ماذا صنع؟ # مصادر السيرة النبوية # أما عن مصادر السيرة النبوية التي يمكن من خلالها التعرف على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا التعرف فهي: القرآن الكريم.السنة النبوية الشريفة.أفواه الصحابة الكرام. أولا: القرآن الكريم كُتب القرآن الكريم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يأتي جبريل عليه السلام وكان يأخذ منه النبي صلى الله عليه وسلم ويملي ويكتب الكتاب. لكن ما حدث في عصر الصديق فهو تدوين القرآن الكريم وليس كتابته، فهناك كتابة وهناك تدوين، هناك كتابة وهناك جمع. ثانيا: كتابة السنة النبوية السنة النبوية المطهرة كُتبت كذلك في عصره صلى الله عليه وسلم، في أول الأمر نهاهم أن يكتبوا غير القرآن حتى لا يختلط القرآن بغيره. ثم من بعدها أذن لهم صلى الله عليه وسلم في الكتابة فقال: (اكتُبْ فوالذي نفسي بيدِه ما يخرجُ منه إلا الحقُّ). (صحيح الجامع:1196) ثالثا: الصحابة الكرام الصحابة الكرام رضوان الله عليهم عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومن حمل حديثاً بلغه، ما كتم أحد منهم شيئاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. بل كان هناك علم كان يغلب على ظن من تعلمه أنه إذا بلغه يحدث فتوراً في نفوس من يسمعه، فكان يسكت لكن عند الوفاة كان يخاف فكان يبلغ. كما في حديث: (من قال: لا إله إلا اللهُ مخلصًا دخل الجنَّةَ). فظل يحبسه خشي أن يخبر به الناس فيتكلوا، ولما كان في سياقة الموت أخبر به، ومن ثم الصحابة الكرام ما كتموا شيئاً تعلموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. # تدوين السيرة النبوية # دونت السيرة النبوية في آخر القرن الأول الهجري، والتدوين جمع، فضم بعضها إلى بعض فدونت في مصنف في كتاب. والسيرة النبوية بها تدوين مع الاختصار، وتدوين على المذاهب، تدوين السيرة النبوية مع الاختصار يسمى تهذيب السيرة، وتدوينها على المذاهب يسمى تذهيب السيرة، فالتهذيب هو الاختصار، أما التذهيب فهو كتابة الشيء على مذهب من كتبه. وهناك تدوين مع التطويل، وتدوين بالرواية، وتدوين بالدراية، وتدوين على الهوى، وتدوين على مذاهب العلماء. # كتابة السيرة النبوية # كتبت السيرة النبوية على أحجام مختلفة منها المطولات ومنها المختصرات، المطولات هو كتاب متعدد الأجزاء، أما المختصرات فهو جزء واحد. بعد ذلك كتبت السيرة على مذاهب العلماء: أهل الرواية أهل الحديث والأثر كتبوها بالرواية. وأهل الدراية كتبوها نسقاً ولم يعتمدوا الرواية أخذوها كأخبار. بعد ذلك كتبها الجهاديون بمبدأ الجهاد فقط، ثم كتبها الصوفيون بمبدأ التوسل والتبرك بآثار الصالحين، ثم كتبها الليبراليون وجردوها من المعجزات. # الرسالة الخاتمة # أول شئ في السيرة هو النظر في شأن الرسالة الخاتمة أي رسالة سبقت الرسالة الخاتمة؟ رسالة عيسى عليه السلام هي آخر رسالات بني اسرائيل، ورسالة عيسى عليه السلام متممة لرسالة موسى عليه السلام. لذلك قال عيسى عليه السلام: (ما جئت لأنقض بل جئت لأتمم). # علاقة الرسالة الخاتمة بالرسالات السابقة # وعلاقة الرسالة المحمدية بما سبقها من رسالات أنها الرسالة الخاتمة، والرسالة الخاتمة مهيمنة، ودليل الهيمنة أنها مصدقة بما قبلها وزائدة عليها. لذلك وصف الله القرآن فقال: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ). (سورة المائدة:48) وقال سبحانه في كتابه: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ). (سورة الأحزاب:40) لذلك علاقة الرسالة الخاتمة بما قبلها من رسالات أن الأصل واحد، مصدركل الرسالات هو الله رب العالمين، ما من نبي ولا رسول إلا وقد كُلِفَ أن يُبلغ أمته أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره. ليست هناك رسالة إلا وأمرت بتوحيد الله سبحانه وتعالى، ليست هناك رسالة ولا نبوة إلا كُلِفَ النبي أو الرسول بتبليغ الناس توحيد رب العالمين وأن ينبذوا ما سواه. # الشرائع السماوية # الأصل والمصدر واحد إنما الشرائع مختلفة، فعندهم صلوات بكيفيات وعندنا صلوات بكيفيات، وعندهم صيام بكيفيات وعندنا صيام بكيفيات. عندنا ذنوب وهناك سبل للخروج منها، وعندهم ذنوب ولهم سبل تختلف عن سبلنا، كما في رسالة موسى وعيسى عليهما السلام: أن من وقع في جناب الله بالشرك توبته لا تكون إلا بقتل نفسه. وفي سورة البقرة الآيات واضحة: (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ). لكن عندنا في شريعتنا الأمر أيسر الأمر أخف، حتى ولو كان الشرك فالخروج منه يكون بتركه والاشتغال في الصالحات والتوبة والعزم على عدم الرجوع. لذلك ستعرف من خلال السيرة النبوية أن الصحابة الكرام الذين ولدوا في الجاهلية فعلوا الأفاعيل في جاهليتهم، عبدوا الأحجار بل وصنعوا من العجوة أصناما فعبدوها ولما جاعوا أكلوها. ثم لما خرج فيهم النبي صلى الله عليه وسلم بدعوتهم إلى التوحيد وانصاعوا لم يعاقبهم الله بما مضى، بل عافاهم مما وقعوا فيه ومسح الإسلام قديم صفحاتهم. لذلك إخوتي الكرام هذه علاقة الرسالة الخاتمة بما قبلها، ومن ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأنْبياءُ أوْلادُ عَلَّاتٍ؛ أُمَّهاتُهُمْ شَتَّى، و دِينُهُمْ واحِدٌ). (صحيح الجامع:1452) بنو علات يعني إخوة، والدين: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) به جاء كل الأنبياء، والأمهات هي الرسائل السماوية أي الشرائع: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا). # العالم قبل الرسالة الخاتمة # اختص الله تعالى الجزيرة العربية فجعلها مهداً للرسالة الخاتمة، في كتب أهل الكتاب أن النبوة الخاتمة لا تكون إلا في العرب، وأين كان العرب وقت ذاك في العالم؟ كانت في العالم قوتان متصارعتان الروم والفرس، الدولة الرومانية البيزنطية وكانت دولة مستغلة مستفذة شأنها هو الشأن الحالي لم يختلف كثيراً وكانت محتلة شمال آسيا وشمال أفريقيا. وكان هناك الفرس وهم اليوم السوفييت وايران وكان الفرس يومها أقوى من الروم. وكان هناك الهند وكانت بها عدد كثير ولكنها همجية لم يكن فيها ترتيب، إنما كان فيها جهل كبير وكان المجتمع وقتها مجتمع طبقي. وكانت اليونان شأنها في القديم شأنها في الحديث لا دين ولا شيء، ما كان بينهم إلا الجدل والسفسطة وهي كثرة الكلام فقط ولا زيادة. لم يكن هناك أمة فيها هدوء إلا العرب أرض هادئة لم يدخلها ثقافات، ومعلوم أن الأرض التي لم يزرع فيها من قبل تقبل ما يلقى فيها. # عبادة الأصنام # والأصنام لم تكن في العرب من بعيد إنما من قريب فقد أتى بها عمر بن لحي وهو رجل عربي كان يسافر في تجاراته ما بين الشمال في الشام والجنوب في اليمن، وهو في الشام رأى أصناما تباع فسأل عنها، فقالوا: هذه نعبدها، فأتى بصنم ومن بعدها انتشرت الأصنام، لكن لم يكن لها في الجزيرة أساس. وجاءت الأصنام من الديانة المحرفة، اليهودية كانت رسالة لكن حرفها من دانوا بها وبقيت اليهودية عبارة عن طقوس أيام يحتفلون فيها. ثم انتشرت فيها الوثنية والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ والنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ). (صحيح مسلم:530) ومن ثم لما مات نبيهم صوروه وبعد ذلك رسموها وبدأوا يعبدونها من دون الله، والقرآن قص علينا هذا أن اليهود عبدوا العزير وأن النصارى عبدوا المسيح عليه السلام. فمن هنا جاءت فكرة الأصنام من أهل الكتاب من خلال اختلاط العرب بهم في تجاراتهم، رأوهم يعبدون الأصنام فجاءوا بالأصنام ثم جعلوها في الجزيرة العربية. # صفات العرب # العرب في أصلهم أهل النجدة والشرف والكرم وهم أهل أخلاق، فالهند ليس بها أخلاق وفي الفرس كان فيها نكاح المحارم وفي الرومان الزنا والخنا والفجور على مصراعيه. حتى دور البغاء لم تكن عريقة في العرب إنما جاءت من الخارج، لكن في أصلهم كانوا يعيبوا الزنا. ولعلك تعرف هذا من أول لقاء لهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان أم معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة النساء، لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم النساء ألا يزنين تكلمت هند وقالت: أو تزني الحرة؟. لأن العرب أهل نجدة وأهل شرف لم يكونوا أهل بغاء وزنا أبداً وما اشتهر هذا إلا في الايماء، والجزيرة العربية فيها بقايا ديانة فيها بقايا الحنيفية بقايا ملة ابراهيم عليه السلام. وبقية الحنيفية متمثلة في البيت الحرام في الجزيرة العربية في مكة المكرمة، والبيت الحرام حجه كل الأنبياء، فعيسى عليه السلام حج في مكة وموسى عليه السلام حج في مكة لأن هذا البيت ليس غيره يقصد. وإياك أن تظن أن المسجد الأقصى نسأل الله له العافية يحج إليه حتى من أهل الكتاب، الحج كله إلى البيت الحرام حجه جميع الأنبياء. وكذلك من مميزات الجزيرة العربية لعلها وسط الكرة الأرضية كما قال الله في كتابه: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا). (سورة الشورى:7)
  7. خطبة عن العبادة بعنوان “الإفادة في تحقيق العبادة” من خطب الجمعة للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف العبادة وأهميتها وما هي أنواع العبادة ويبين شروط قبول العبادة. العبادة في الإسلام إنَّ للعبادة في الإسلام منزلةً رفيعةً، ومكانةً جليلة، تجعل الحديثَ عنها في غاية الأهمِّيَّة، ولا يُستثنى مِن ذلك زمانٌ أو مكانٌ أو إنسانٌ؛ قال تعالى في سورة الذاريات: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ). (سورة الذاريات) ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﺭﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ: خلق اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ الخلق لعبادته. وقال بن جرير الطبري – رحمه الله -: أي: لعبادتنا والتَّذلُّل لنا. ولمَّا كانت صُور العبادات وأشكالُها توقيفيَّةً، يُرجع في بيانها إلى الشَّارع الحكيم، احتاج البَشرُ إلى الأنبياء والمرسَلين – عليهم الصَّلاة والسَّلام – الذين يَتلقَّوْن عن الله – سبحانه – أوامرَه ونواهيَه عن طريق الوحي. قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ). (سورة النحل:36) ﻗﺎﻝ سهل التستري: العبادة زينة العارفين، وأحسن ما يكون العارف إذا كان في ميادين العبودية والخدمة، يترك ما له لما عليه. ويقول بن جرير الطبري: ولقد بعثنا أيها الناس في كل أمة سلفت قبلكم رسولا كما بعثنا فيكم بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له، وأفردوا له الطاعة، وأخلصوا له العبادة، (واجتنبوا الطاغوت) يقول: وابعدوا من الشيطان، واحذروا أن يغويكم، ويصدكم عن سبيل الله، فتضلوا. ومن ثم يجب على العُلماءِ والدُّعاة إلى الله تعالى أن يُبيِّنوا للنَّاس كلَّ ما يتعلَّق بالعبادة، وما يُصلحها مِن شروطٍ وأركان، أو يُفسدها مِن نواقضَ ومُبطلات، فالعلماء هُمْ ورثةُ الأنبياء. وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن -: (إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ). (صحيح البخاري:1496) فالحديث دليلٌ على أهمِّية تعليمِ الفرائض والواجبات الشرعيَّة، مِن العِبادات والأخلاق، بعدَ غَرْس الإيمانِ وتصحيحِه. العبادة لغة واصطلاحا العبادة لغة هي: التَّذلُّل والخُضوع؛ قال الرازي: أصلُ العُبوديةِ الخُضوعُ والذُّلُّ، والتَّعبيد التَّذليل، يقال: طريقٌ مُعبَّد، والتَّعبيد أيضًا الاستعباد، وهو اتِّخاذ الشَّخص عبدًا…، والعِبادة الطَّاعة والتَّنسُّك. العبادة اصطلاحا هي: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحبُّه الله ويرضاه، مِن الأقوالِ والأفعالِ الظَّاهرة والباطنة. وهذا التَّعريف يفيد شُموليةُ معنى العبادة لكلِّ حركاتِ العباد وسَكناتهم، فكلُّ فعلٍ، أو ترْكٍ من المكلفين يُمكن أن يكونَ عبادةً وقُربةً باستحضار النِّيَّة، وقصد الطَّاعة منه، وبموافقةِ الشَّرع في طريقة تطبيقه وأدائه. ومن تعريف العبادة: أنها امتثالُ أوامرِ الله، واجتنابُ نواهيه. ويُنبِّه هذا التَّعريف على مسألةٍ خطيرةٍ، ألا وهي: بيانُ مصدر تلقِّي الأوامر والنَّواهي المتعلِّقة بالعِبادة، فليس لأحدٍ غير الله تعالى أن يشرع للعباد شعائر أو شرائع. قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (سورة الشورى:21)، فلا يَحقُّ لأحدٍ مِن المخلوقين أن يشرع للنَّاس الشَّرائع، أو يضعَ لهم الأديان، أو يحسن أو يقبح لا عالِم، ولا ولي ولا أَمير، ولا غيرهم. لأن الله تعالى يقول: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ). (سورة الحجرات:7) أنواع العبادة بعد معرفة مفهوم العبادة نوضح أنواع العبادة، والعبادة على أنواعٍ كثيرة، وصُورٍ متعدِّدة؛ ومنها: الدُّعاء: قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (سورة البقرة:186)، وقال صلى الله عليه وسلم: (الدُّعاءُ هو العبادةُ). (صحيح الجامع:3407) والخوفُ: قال تعالى: (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين). (سورة آل عمران:175) والرَّجاء: قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا). (سورة الإسراء:57) والاستعانة: قال تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). (سورة الفاتحة:5) والاستغاثة: قال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ). (سورة الأنفال:9) وأركان الإسلام وسيأتي ذكرها. والعمل عبادة لما رواه الطبراني في الأوسط بإسناد صحيح عن كعب بن عجرة قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنْ كان خرج يسعى على ولدِه صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ وإنْ كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيلِ الشيطانِ). (المتجر الرابح:306) درجات العبادة الفرائض والواجبات، والسُّنن والمستحبات، ومنها ما هي على مجموع الأُمَّة، ومنها ما على أَعيانهم، وسببُ اختلاف درجاتِ العِبادة وتفاوتها هو ما يَقتضيه خِطابُ الشَّارع، مِن طلبِ الفِعْل أوِ التَّرك، ومِن الجَزمِ وعَدمه. فالفرضُ أو الواجبُ في الشَّرع: هو ما يُثاب فاعلُه، ويعاقب تارُكه، ومِن أمثلتِه: أركان الإسلام الشهادتان و الصَّلوات الخمس، وصومُ رمضان، وحجُّ بيت الله الحرام لمَن استطاع إليه سبيلًا. وما أوجبه الله في كتابه وحده. ويليه في الرتبة: المندوب أو المُستحب: وهو ما يُثاب فاعلُه، ولا يُعاقب تارُكه، ومن أمثلته: صلاةُ ركعتي الفجر، وصَومُ يومي الإثنين والخميس. أحب العبادات إلى الله أحب العبادات إلى الله هي الفرائضُ والواجباتُ، ثم يَليها السُّنن والمُستحبَّات، دلَّ على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: (مَنْ عادَى لي وَلِيًّا فقد آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَما تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشيءٍ أَحَبّ إِليَّ مِمَّا افْتَرضْتُ عَليْه، وما يَزالُ عَبْدي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإِذا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِها، وَرِجْلَهُ الَّتي يَمْشي بِها، وإِنْ سَأَلني لأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ). (صحيح البخاري:6502) شروط قبول العبادة لا تقبل العبادة إلا بشرطين هما في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا). (سورة الكهف:110) شرط قبول العبادة الأول: صلاح العمل صلاح العمل ويكون بموافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإتباع طريقه، والمراد بها الاقتداءُ برسول الله صلى الله عليه وسلم في أداء العبادة، وعدمُ مخالفة سُنَّته وطريقتِه، وقد دلَّ على وجوبِ الإتباع نصوصٌ كثيرةٌ مِنَ الكتاب والسُّنَّة؛ منها: قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا). (سورة الأحزاب:21) وقوله سبحانه: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ). (سورة النور:54) وقوله سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (سورة النور:63) أدلة الإتباع مِنَ السُّنَّة؛ منها: روى البخاري في صحيحه من قوله صلى الله عليه وسلم في الصَّلاة: (وصَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي). (صحيح البخاري:6008) وروى مسلم في صحيحه عن جابر، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ). (صحيح مسلم:1297) وكلُّ ما ورد في النهيِ عن الإحداث في الدِّين دليلٌ على شَرْط المتابعة، كما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن أَحْدَثَ في أَمرِنا هذا ما لَيسَ منه، فهو رَدٌّ). (صحيح مسلم:1718) شرط قبول العبادة الثاني: عدم الشرك بالله يعني الإخلاص في العبادة وهو: أن يَقصدَ بعبادته وجهَ الله وثوابَه، ولا يُشرك فيه غيرَه، والدَّليل على هذا الشَّرْط مِن القرآن قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ). (سورة البينة:5) وقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا). (سورة الكهف:110) وقوله – عز وجل -: (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَه دِينِي). (سورة الزمر:14) ويدلُّ عليه منَ السُّنَّة ما رواه البخاري في صحيحه من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نَوَى). (صحيح البخاري:1) وما رواه مسلم عن أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا). (صحيح مسلم:1715) أهمية العبادة ومنزلتها في الإسلام للعبادةِ في الإسلام مكانةٌ رفيعةٌ، ومنزلةٌ عاليةٌ، تتجلَّى هذه الأهمية وتظهر هذه المكانة في الأمور التَّالية: العبادةُ هي الغايةُ مِن خَلْق الجِنِّ والإِنس: قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)). (سورة الذاريات) إفرادُ العبادةِ لله تحرر منَ الخُضوع والذُّلِّ لكلِّ معبودٍ باطل: قال الله تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ). (سورة الحجر:42) وقال أيضًا: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). (سورة الأعراف:194) النَّصْر والتَّمكين لعباد الله الصَّالحين: قال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ). (سورة الحج:41) الإضافة التَّشريفيَّة إلى الله تعالى: قال تعالى منوِّهًا بصفات عبادِه الصالحين: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا). (سورة الفرقان:63) وقال تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)). (سورة الزمر) دخول الجَنَّة، ونيل رضوان الله الأكبر: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)). (سورة الكهف) أثر العبادة على الفرد والمجتمع إنَّ أداءَ العبادات التي شَرَعها اللهُ على وجهها، وطاعة الله فيما أَمر به مِنَ الشَّرائع والشَّعائر، له آثارٌ حسنةٌ وطيِّبةٌ على سلوك الأفراد والمجتمعات؛ لأنَّ سعادة الأُمم الحقيقيَّة في صِحة عقائدها، وطاعة ربِّها – سبحانه وتعالى. أثر الصلاة فالصَّلاة هي عِمادُ الدِّين: (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا). (سورة النساء:103) والصلاة تغسل الذنوب؛ كما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟)، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَواتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطايا). (صحيح مسلم:667) حكمة مشروعية الصلاة الصلاة ليست مجرد عدد من الركعات يؤديها المسلم وينتهي الأمر عند خروجه من المسجد، لا فالصلاة هي من أقوى العبادات التي تقوى صلة العبد بربه، وتعود المسلم على النظام وضبط الوقت، وتبعده عن ارتكاب المعاصي، وتطهره من سوء القول وسوء العمل. قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ). (سورة العنكبوت:45) والصلاة بها يشعر المسلم بأنه جزء من المجتمع الذي يعيش فيه، فمن خلال صلاة الجماعة تتوحد الأمة وينتشر التراحم والتعاطف والمساواة بين أفراد المجتمع المسلم لأن ربهم واحد وقبلتهم واحدة ودستورهم هو القرآن وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. فالغرض الحقيقي من الصلاة يتحقق على خير وجه عندما تكون الصلاة جماعة، فروح كل صلاة روح اجتماعية، حتى الراهب يعتزل جماعة الناس لعله يوفق في محرابه إلى محبة الله والجماعة، والطائفة المتعبدة هم أناس اجتمعوا معا يحييهم أمل واحد فيجمعون أمرهم على هدف مقرر، ويفتحون أعماق أنفسهم لتلبية باعث واحد. وإنها لحقيقة سيكولوجية أن الاجتماع ينمي قوى الإدراك عند الرجل العادي ويعمق شعوره، ويحرك إرادته إلى درجة لا يعرفها في عزلته ووحدته، وعلى هذا فإن صلاة الجماعة في الإسلام – إلى جانب ما لها من قيمة فكرية – تشير إلى الأمل في تحقيق الوحدة الضرورية للبشر كحقيقة من حقائق الحياة، وذلك بالقضاء على جميع الفوارق التي تميز بين إنسان وأخر. أثر الصوم وكذلك الصَّوم يُعين على التَّقوى، ويُربِّي عليها، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (سورة البقرة:183) حكمة مشروعية الصوم وكذلك شرع الإسلام الصوم: فلم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من شهواتها المحظورة ونزواتها المنكودة. روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ). (صحيح البخاري:1903) ويقول أيضا فيما رواه البخاري في صحيحه: (والصِّيامُ جُنَّةٌ، فإِذَا كان يومُ صِيامِ أَحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ، ولا يَصْخَبْ، فإنْ سابَهُ أحدٌ أوْ قاتَلهُ فَلْيَقُلْ: إِنِي صائِمٌ). (صحيح البخاري:1904) من هنا فإن الصيام دعوة إلى ضبط النفس والتحلي بالأخلاق الكريمة، والصبر على تحمل الآخرين، وتزكية للنفس وتطهير للقلب، ومراقبة للرب جل جلاله. وصوم رمضان عبادة تلتقي في هدفها مع أهداف القرآن في تربية العقول والأرواح، وتنظيم الحياة، وهو يوحد بين المسلمين في أوقات الفراغ والعمل، وأوقات الطعام والشراب، ويفرغ عليهم جميعا صبغة الإنابة والرجوع إلى الله، ويرطب ألسنتهم بالتسبيح والتقديس ويعفيها عن الإيذاء والتجريح، ويسد عليهم منافذ الشر والتفكير فيه بمحبة الخير والبر لعباد الله، ويغرس في نفوسهم خلق الصبر الذي هو عدة الحياة، وهكذا يريد الله أن يكون الإنسان. أثر الزكاة الزكاة – وهي فريضةٌ اجتماعيَّةٌ – جاء بها الإسلام لتطهيرِ نفوس الأغنياءِ مِن الشُّحِّ والبخلِ، وتطهيرِ نفوس الفقراء من الغِلِّ والحسدِ، كما قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (سورة التوبة:103) كما شُرعتِ الزَّكاةُ أيضًا لإقامة شَعائرِ الإسلام، كالجهادِ، وبناء المساجد، والمدارس، وغيرها؛ قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). (سورة التوبة:60) والزكاة تعد علاجا عمليا بعيد الغاية لضعف النفس وتحصينها من أدواء الشح والأثرة وعبادة المال. والزكاة المفروضة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب بل هي أولا غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعاون والألفة بين شتى الطبقات، فتنظيف النفس من أدران النفس، والتسامي بالمجتمع إلى مستوى أنبل هو الحكمة الأولى. أثر الحج وأمَّا فريضةُ الحجِّ، فهي مدرسةٌ ربَّانيَّةٌ متكاملةٌ، تُقوِّي صلةَ العبد بربِّه بما تُزكِّي من نفسِه، وتُحسِّن من أخلاقه، وتُعوِّدُه على البذل والتَّضحية. قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ). (سورة البقرة:197) وقد يحسب البعض أن السفر إلى البقعة المقدسة للمستطيع لأداء فريضة الحج والقيام بأداء المناسك إنما هذه عبادات غيبية أمرنا الله بها. حكمة مشروعية الحج إن الحج لم يشرع لمجرد ذكر الله، ولا لمجرد طواف المسلم منفردا ببدنه حول بيت الله الحرام، ولا مجرد وجوده واكتحال عينه بالمشاهد المقدسة، وإنما شرع لذلك وأعم منه، شرع ليكون السبيل لجمع المتفرق، ولم المشتت، وتقابل الآراء بالآراء، ثم ليعود المجتمعون وقد حملوا مسؤولياتهم المشتركة، وأخذ كل منهم نصيبه منها، يعمل مع أهله ومواطنيه على تحقيقها والقيام بواجبها في حفظ إنسانيتهم، ورسم طرق سعادتهم وليتكون من جميعهم أمة واحدة، تلك هي المثالية الفاضلة التي أعلى الله شانها ورفع ذكرها. وللحج دوره البارز في تحقيق التكافل الاجتماعي، وإطعام الجائعين، والعطف على البؤساء المحرومين من خلال ذبائح الهدى يقول سبحانه: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ). (سورة الحج:28) والأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، هو الآخَرُ يقي المجتمعَ من العقائدِ الفاسدة، والطِّباع المُعوجَّة، والسلوكيات المُنحرفة: (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ). (سورة المائدة:63) وهكذا نَرَى الآثارَ الإِيجابيَّة للعبادات أيًّا كان نوعُها تُشكِّل عاملًا ضروريًّا في بناء الفرد المسلم بناءً كاملًا، يشمل الجوانبَ العَقديَّة والعِباديَّة والسلوكيَّة، وفي تكوين المجتمع المثالي الذي عَجزتْ كلُّ الفلسفات والقوانين والآداب على تصويره، وتحديدِ ملامحه الحضاريَّة. فالعبادات في الإسلام لم تقتصر على الشعائر التعبدية المعروفة من صلاة وزكاة وصوم وحج، بل تشمل كل حركة وكل عمل ترتقي به الحياة ويسعد به الناس. فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنية والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج، وصدق الحديث أداء الأمانة، وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ومجاهدة الكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والدعاء والذكر، وحب الله تعالى ورسوله، وخشيته لله تعالى والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر والحكمة والشكر لنعمه، والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك كله من العبادة. فإن لم يستفد المرء منها بما يزكي قلبه وينقى لبه ويهذب بالله وبالناس صلته فقد هوى. قال تعالى: (إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ (74) وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ (75)). (سورة طه) فالعبادةَ كما سبق بيانه هي الغايةُ من الوجود الإنسانيِّ، ولا تكونُ للحياةِ أية أهمِّيَّة ما لم تكن جميعُ مظاهرِها مُعبِّرةً عن معاني التَّذلُّل والخُضوع لله سبحانه وتعالى.
  8. خطبة عن المرافق العامة وكيفية الحفاظ عليها بعنوان “المرافق إلى الانتفاع بالمرافق” من خطب الجمعة للشيخ محمد نبيه يوضح فيها تعريف المرافق العامة وأنواعها وأمثلة لها وما هي فوائدها على المجتمع. تعريف المرافق العامة جاء في معجم المعاني: (فعل) رافقَ يرافق، مُرافَقةً، فهو مُرافِق، والمفعول مُرافَق. رافق الشَّخصَ: صار مصاحبًا له في سفره أو سيره. رَافَقَهُ مُنْذُ صِغَرِهِ: كَانَ رَفِيقاً لَهُ. رافقتك السلامة: دُعاءٌ للمغادر. وشيءٌ مُرافِقٌ لكذا: ملحقٌ به وهي مرافقةٌ. المرافق: مشاريع النفع العام. تعريف المرافق العامة هي: حزمة من البنية التحتية كالمؤسسات التعليمية والصحية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والترفيهية، يقوم عليها الحكام بالمراقبة لإشباع حاجات الشعوب لتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة الآمنة للشعوب، فالمرفق العام عبارة عن أداة في يد الدولة لتحقيق النفع العام من خلال قوانين خاصة. أوجه النفع العام التي تقدمها المرافق العامة ثلاثة أنواع: مادية: (مثل الصحة والأمن والطرق ووسائل المواصلات العامة وغيرها). مالية: مثل (الضمان الاجتماعي والقروض والإسكان المخفض وما شابهه). معنوية: (مثل الثقافة والتربية وما على شاكلتها). أهمية المرافق في حياتنا لا حدود لها، فالخدمات التي تقدمها هذه المرافق في إنجاز مهامنا اليومية تساعد المواطنين والدولة على التقدم والتطور الاقتصادي والاجتماعي، كما تساهم في التوعية حول المشاركة المجتمعية، كما أن لها دورا في خلق محيط آمن والمحافظة على العيش الكريم. أنواع المرافق العامة تتعدد وتختلف أنواع المرافق العامة باختلاف طبيعة أنشطتها والغاية التي وجدت من أجلها، تم تقسيم الأنواع اعتماداً على نوع نشاطها إلى أربعة أقسام رئيسية وهي كالتالي: المرافق العامة الإدارية هي مختلف القطاعات والوظائف الحكومية في الدولة كالمرافق الصحية والتعليمية ومرافق العدالة وغيرها، فهي المرافق التي ينصب نشاطها على الوظيفة الإدارية والتي لا يمكن الاستغناء عنها للمحافظة على الدولة وأمنها الداخلي والخارجي. المرافق العامة الاقتصادية وهي المرافق التي تزاول نشاط تجاري واقتصادي في مجالات متعددة صناعية وتجارية ومالية وزراعية، ومن أمثلتها مرفق النقل بكافة أنواعه البري والبحري والجوي، وهي شبيهة إلى حد ما بالنشاطات التي يزاولها الأفراد ولكنها تخضع للقانونين الإداري والخاص. المرافق العامة الاجتماعية هي المرافق التي تمارس نشاط اجتماعي ذات طبيعة اجتماعية من أجل تحقيق أهداف اجتماعية وتحسين الوضع الاجتماعي للمواطنين، ومن الأمثلة عليها مرفق الضمان الاجتماعي المتمثل في بيت المال ومشتقاته ومرفق التأمينات. المرافق المهنية أو النقابية وهي المرافق التي توجه وتدير النشاط المهني عن طريق هيئات متخصصة ويمنحها القانون بعض امتيازات السلطة العامة كغرف التجارة والصناعة والنقابات المهنية (نقابة الأطباء ونقابة المهندسين ونقابة المحامين وغيرها). أمثلة على المرافق العامة النقل: وتشمل الطرق، والجسور، والمطارات، والنقل بالسكك الحديدية، وما إلى ذلك. المياه: وتشمل إمدادات المياه، وإدارة الموارد المائية، ومنع الفيضانات، وشبكة الصرف الصحي. الطاقة: وتشمل الكهرباء، ومحطات الطاقة، وتوربينات الرياح، وأنابيب الغاز، والألواح الشمسية. الاتصالات: وتشمل الاتصالات السلكية واللاسلكية، بالإضافة إلى شبكة الهاتف وخدمات الإنترنت. السياسية: وتضم المؤسسات الحكومية، مثل: المحاكم والهيئات التنظيمية، وخدمات الأمن العام، مثل: الشرطة والدفاع وما إلى ذلك. التعليمية: مثل المدارس، والجامعات الحكومية، والمعاهد التدريبية. الصحية: وتتضمّن المستشفيات العامة، والعيادات الصحية، وما إلى ذلك. الترفيهية: وأهمّها الحدائق العامّة، والشواطئ، والمواقع التاريخية، والمحميّات الطبيعية. المحافظة على المرافق العامة يمكن الحفاظ على المرافق العامة بعدة طرق منها: الصيانة الوقائية للمرافق العامة وهي إحدى التدابير المهمّة التي تُتخذ للحفاظ على المرافق العامة عن طريق وضع نظام يتمّ فيه مراقبة الأوضاع الاجتماعية والثقافية بشكلٍ منتظم، بدءاً من الفحص، ثمّ الصيانة، وانتهاءً بإجراء التعديل اللازم لإضافة الأمور الضرورية؛ بهدف استخدام المرافق العامة أطول فترة ممكنة، وتتمثّل الرعاية الوقائية بمراعاة الأمور الآتية: المحافظة على النظافة. الفحص والتفتيش الدوريّ. حماية المباني والأثاث. الصيانة الدورية للمرافق العامة، بحيث تبقى مناسبةً دائماً للاستخدام. تحديد جدول زمني يضمن الرعاية الوقائية. كيف نحافظ على نظافة المرافق العامة يحافظ عليها بالحفاظ على روتين تنظيف مناسب؛ فالأماكن النظيفة تُشجّع الناس على الحفاظ على نظافتها. وضع صناديق القمامة في أماكن قريبة يسهل الوصول إليها؛ بحيث يتشجّع الأفراد على استخدامها لإلقاء النفايات. تعزيز الشعور بالمسؤولية بكتابة توجيهات تُوضّح التصرّفات المرجوّة من الناس للحفاظ على المرافق العامة. مكافأة الأشخاص الملتزمين بالحفاظ على المرافق العامة، وفرض عقوبات حقيقية على المخالفين. وضع سياسات واستراتيجيات معينة للحفاظ على المرافق العامة في مختلف الأماكن؛ بحيث يسمح ذلك للأفراد بمعرفة المتوقع منهم دائماً باختلاف الظروف والأماكن. إنشاء المبادرات لتشجيع أكبر شريحة ممكنة من الأفراد للمشاركة في الحفاظ على نظافة المرافق العامة. تشكيل وحدة فعّالة تضم جميع المسؤولين أو المنتفعين من الحفاظ على المرافق العامة؛ كي يعملوا معاً بشكلٍ أكثر. فوائد توفر المرافق العامة على المجتمع دعم الاقتصاد المحلي. جذب الاستثمارات التجارية. جذب السيّاح. التحفيز على التطوّع. الحدّ من الجريمة من خلال إقامة الحدائق والمنتزهات. الاهتمام بسلامة المشاة وأمنهم. التشجيع على استخدام وسائل النقل العام. الاهتمام بالصحة بشكلٍ عام. المحافظة على البيئة. أسباب تدهور المرافق العامة️ انتشار الجهل. السلوكيات الخاطئة في التعامل مع الممتلكات العامة. العادات الخاطئة تجاه البيئة. إهمال المرافق العامة. عدم توجيه الأشخاص الذين يُلحقون الضرر بالبيئة. عدم تفعيل عقوبة المخالفة لأن من أمن العقوبة أساء الأدب. أوجه النفع التي تقدمها المرافق العامة أولاً: أوجه النفع المادية حق الطريق روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ علَى الطُّرُقَاتِ)، فقالوا: ما لنا بد إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: (فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا)، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: (غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ). (صحيح البخاري:2465) فذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث جملة من الآداب، التي ينبغي أن يتحلَّى بها من جلس في الطريق: غض البصر، وقد أمر الله به في قوله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ). (سورة النور: 30) روى أبو داود في سننه بإسناد حسن عن بريدة بن الحصيب الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: (يا عليُّ لا تُتبعِ النَّظرةَ النَّظرةَ، فإنَّ لَكَ الأولى وليسَت لَكَ الآخرَةُ). (صحيح أبي داود:2149) (لا تتبع النظرة النظرة): من الإتباع أي لا تعقبها إياها ولا تجعل أخرى بعد الأولى، (فإن لك الأولى): أي النظرة الأولى إذا كانت من غير قصد، (وليست لك الآخرة): أي النظرة الآخرة لأنها باختيارك فتكون عليك. قال الشاعر: كُلُّ الحَوَادِثِ مَبْدَاهَا مِنَ النَّظَرِ وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ والمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا فِي أَعْيُنِ الغِيدِ مَوقُوفٌ عَلَى الخَطَرِ كَمْ نَظْرَةٍ فَتَكَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا فَتكَ السِّهَامِ بِلَا قَوسٍ ولَا وَتَرِ يَسُرُّ نَاظِرَهُ مَا ضَرَّ خَاطِرَهُ لَا مَرحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ وقال آخر: وَكُنْتَ مَتَى أَرْسَلْتَ طَرْفَكَ رَائِدًا لِقَلْبِكَ يومًا أَتعَبَتْكَ المَنَاظِرُ رَأَيْتَ الَّذِي لَا كُلَّهُ أَنْتَ قَادِرٌ عَلَيهِ وَلَا عَنْ بَعْضِهِ أَنْتَ صَابِرُ كف الأذى وإزالته من الطريق عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَرَّ رَجُلٌ بغُصْنِ شَجَرَةٍ علَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فقالَ: واللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هذا عَنِ المُسْلِمِينَ لا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الجَنَّةَ). (صحيح مسلم:1914) وروى مسلم عن أبي برزة قال: قلت: يا نبي الله، علمني شيئا أنتفع به؟ قال: (اعْزِلِ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ). (صحيح مسلم:2618) وإماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ). (صحيح مسلم:35) ومن كف الأذى عدم قضاء الحاجة في طريق الناس، أو ظلهم، وعدم إيذاء الناس في أبدانهم أو أعراضهم، روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ). قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: (الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ). (صحيح أبي داود:25) في عون المعبود على شرح سنن أبي داود: قوله (اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ): قال الخطابي: يريد الأمرين الجالبين للعن الحاملين للناس عليه والداعيين إليه، وذلك أن من فعلهما لعن وشتم، يعني عادة الناس لعنه فلما صارا سببا لذلك أضيف إليهما الفعل فكانا كأنهما اللاعنان، يعني أسند اللعن إليهما على طريق المجاز العقلي، وقد يكون اللاعن أيضا بمعنى الملعون، فاعل بمعنى مفعول كما قالوا سر كاتم أي: مكتوم، فعلى هذا يكون التقدير اتقوا الأمرين الملعون فاعلهما. (الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ) أي: يتغوط أو يبول في موضع يمر به الناس، والمراد بالتخلي: التفرد لقضاء الحاجة غائطاً أو بولاً، فإن التنجس والاستقذار موجود فيهما، والمراد بالطريق الطريق المسلوك لا المهجور الذي لا يسلك إلا نادرا. (أَوْ ظِلِّهِمْ) أي: مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلاً ومنزلاً ينزلونه ويقعدون فيه، وليس كل ظل يحرم القعود للحاجة تحته، فقد قعد النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته تحت حائش من النخل وللحائش لا محالة ظل. والحديث يدل على تحريم التخلي في طرق الناس أو ظلهم لما فيه من إيذاء المسلمين بتنجيس من يمر به واستقذاره. ومن ترك الأذى عدم السير في المخالف إن كان طريقا أو مكان المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وترك الحركات المرعبة كفرك الكاوتش أو لعبة الحصان أو السرعة الزائدة أو استخدام صافرات الإنذار الغير المأذون فيها. ومن حق الطريق إعانة الرجل في حمله على مركوبه، أو رفع متاعه عليها، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كُلُّ سُلامَى عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ، يُعِينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ، يُحامِلُهُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، ودَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ). (صحيح البخاري:2891) كذلك من حق الطريق ردّ السلام، قال تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) (سورة النساء:86)، وحسن الكلام، قال تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا). (سورة البقرة:83) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ). (سورة آل عمران: 110) ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن يحث المارة على فعل الخير وقوله، وعلى تجنب السمع الحرام “الغناء”، وينهى النساء عن التبرج في الأسواق والطرق واختلاطهن بالرجال، فالمنكرات إذا كثر إنكارها زالت أو تلاشت، وإن سكت عنها فشت وانتشرت. وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوائد عظيمة للأمة، منها: نجاة سفينة المجتمع من الهلاك والغرق، ومنها قمع الباطل وأهله، ومنها كثرة الخيرات والحد من الشرور، ومنها استتباب الأمن، ومنها نشر الفضيلة وقمع الرذيلة… إلخ. وسائل الحفاظ على الصحة العامة تزايدت حرکة انتقال الأفراد من القرى إلى التجمعات الصناعية بالمدن، ومع التطور السريع بدأت المشاکل البيئية وتأثيراتها الضارة، تنعکس في الآونة الأخيرة على تلويث الهواء، والمياه، والتربة. وکانت وسائل النقل الحديثة بمختلف أشکالها وأنواعها واحدة من تلك الإنجازات الکبيرة والتي باتت تمثل عصب الحياة في الوقت الراهن ومعياراً حضارياً يحدد درجة التطور وتباينه بين مختلف دول العالم. وعليه فإن المشاکل البيئية الناتجة عن تزايد استخدام السيارات، وما صاحبها من تکدس مروري، کان سبباً رئيسياً في تلويث الهواء والضوضاء مما يضر بالصحة العامة للسکان. ومن وسائل حفظ الصحة العامة: النظافة الصحة من أفضل النعم التي أنعم الله بها على الإنسان حيث أنه بهذه النعمة يستطيع أن يقوم بأعماله الدينية والدنيوية بكفاءة عالية، ويستلذ بمتع الحياة، ويستمتع بحياته على خير وجه؛ ولذلك يجب الحفاظ على هذه النعمة، وعدم التفريط بها، لأن من يفرط بصحته يفرط بحياته كلها. وقد حثت التعاليم الدينية على الحفاظ على الصحة العامة للأفراد والمجتمع، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) (صحيح البخاري:6412)، وهناك كثير من النصوص التي تحث الإنسان على المحافظة على صحته، وأنها من أفضل النعم. وكما لا يصح للإنسان أن يفرط في صحته لا يصح له كذلك أن يفرط في صحة مجتمعه، لأن الحفاظ على الصحة العامة من أوجب الواجبات عقلاً وشرعاً. والتوقي من الأمراض المعدية كفيروس كورونا وغيره خير وسيلة للقضاء عليه، وكما تقول الحكمة المعروفة: (درهم وقاية خير من قنطار علاج). إن من أهم وسائل الوقاية من الأمراض العامة الاهتمام بالنظافة العامة، وغسل اليدين بالصابون باستمرار، فالتعاليم الدينية تحث على غسل اليدين قبل الطعام وبعده، وأن ذلك من المستحبات. ومن الوسائل الوقائية لمواجهة فيروس كورونا وغيره من الفيروسات المهلكة هو عدم مخالطة المصاب أو المشتبه بإصابته للأصحاء، وعدم حضوره للمجالس العامة حتى لا ينقل المرض إليهم حتى يتعافى تماماً ويتأكد من خلوه من المرض، فقد روي البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (لَا يُورِدن مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ). (صحيح البخاري:5771) كما أن الحجر الصحي للأماكن الموبوءة بالأمراض المهلكة، وعدم السفر إليها أو الخروج منها من أفضل الطرق الوقائية لمحاصرتها والقضاء عليها، وفي الصحيحين أن رسول الله أشار إلى ذلك بقوله: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني: الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه) (صحيح البخاري:5730)، والمقصود بالطاعون أي الوباء العام. ولابد من ترك بعض العادات مؤقتاً وإن كانت جميلة في نفسها للوقاية من فيروس كورونا كعادة التقبيل وحب الخشوم والمعانقة وغيرها من العادات التي تسهل انتشار الوباء. فحفظ النفس والمجتمع من المهددات الصحية أهم من التعبير عن المشاعر الجياشة، وأن المحبة محرزة بين الأصدقاء والأحبة، فلا داعي للتقبيل والمعانقة في (زمن كورونا) وهذا عملا بقاعدة دفع المفسدة مقدم على جلب المنفعة. الحفاظ على المياه الثروة المائية من أهمّ الثروات الطبيعيّة على الإطلاق لأنّها تختزن المياه التي هي أساس الحياة على كوكب الأرض، فلولاها لكانت الأرض خَرابًا، ليس فيها أيّ أثرٍ للحياة، ولهذا يقول تعالى في محكم التنزيل: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (سورة الأنبياء:30)، فالمياه هي أساس حياة الإنسان والحيوان والنبات، وهي جزءٌ أساسيّ في النظام البيئي الحيوي. ولهذا فإنّ الثروة المائية هي أعظم ثروة، وترتبط بالخصوبة والخير والخضرة، ويظهر هذا جليًا في البلاد التي تمتلك الكثير من المسطحات المائية من بحارٍ وأنهارٍ ومحيطات وينابيع، إذ تنتشر فيها الأراضي الخصبة وتضجّ الحياة فيها، ويكثر فيها الخير من زروعٍ وثمارٍ وأسماكٍ وغير ذلك من كائناتٍ بحرية. بالإضافة إلى أهمية الثروة المائية في توفير مياه الشرب، فإنّها أيضًا مصدرٌ مهمّ للجذب السياحيّ، خصوصًا أن الحضارات القديمة قامت بالقرب من مناطق الثروات المائية، واستقرّت حول مناطق البحار والأنهار وينابيع المياه والواحات. ومن أهمّ الحضارات التي قامت على الأنهار: الحضارة الفرعونية في مصر القديمة التي قامت على ضفاف نهر النيل، والتي جعلت من مصر إلى الآن جنةً تضجّ بالحياة، وحضارة بلاد الرافدين التي قامت على نهري دجلة والفرات، وغيرها الكثير من الحضارات التي تُعدّ الثروة المائية هي الأساس في قيامها واستقرارها. الثروة المائية هبةٌ من الله تعالى، ويجبُ الحفاظ عليها كي تدوم، وأهمّ طريقةٍ للحفاظ عليها هو حمايتها من التلوث بأشكاله كافّة، سواء التلوث الكيميائي أم العضوي أم النووي، كما يجب الحفاظ عليها من الهدر لضمان بقائها واستمرارها للأجيال القادمة. فعلى الرغم من أنّ الثروة المائية من الطاقات المتجددة، إلّا أنها تتعرض للنضوب، وقد تصبح قليلة أيضًا، خصوصًا إن تمّ هدرها بكميات كبيرة في ظلّ حدوث الجفاف في الكثير من المناطق، وهذا يخلق فجوة كبيرة في كميات المياه، ويسبب نقصها. ويكون الحفاظ على الثروة المائية بعدم رمي الملوّثات في البحار والأنهار والمحيطات، والاقتصاد في استخدامها؛ لأنّ حماية المياه تعني حماية الحياة المائية أيضًا، وحماية الحضارات والإنسان والنبات. تحسين إدارة الموارد على مستويات حوض النهر والبلد المعني وعلى المستويات العابرة للحدود، ويُعد الحفاظ على مستجمعات المياه وطبقات المياه الجوفية في حالة سليمة مسؤولية تمتد عبر الحدود الإدارية والسياسية والقطاعية. وسوف نستمر في إبراز قيمة المياه عبر استخداماتها المختلفة والقطاعات المتنوعة، في حين ندعم السياسات والقوانين والمؤسسات الفعالة للمياه والبيئة من أجل الإدارة المتكاملة للمياه، ونساعد البلدان على تعميم خدمات مياه الشرب والصرف الصحي وتحقيق الاستخدام الأمثل للمياه في الزراعة. من طرق المحافظة على الثروة المائية حماية مصادر الماء وتتنوع مصادر المياه النقية لتشمل؛ الأنهار، والجداول، والبحيرات، والخزانات، والينابيع، والمياه الجوفية، والتي تعد مورداً لتوفير مياه الشرب العامة ومياه الآبار، وهناك عدة طرق لحماية هذه المصادر، ومنها: تعديل السلوكيات اليومية للمحافظة على مصادر المياه ونظافتها، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي: التخلص من الأدوات المصنوعة من المواد الضارة؛ كالبلاستيك بشكل صحيح دون الإضرار بالبيئة. عدم التخلص من النفايات الخطرة بإلقائها على الأرض، أو في المجاري؛ مما قد يؤدّي الى تلوث التربة، والمياه الجوفية، أو المياه السطحية القريبة. تجنّب أو تقليل استخدام بعض المواد السامة التي تساهم في تلوث المياه الجوفية أو السطحية قدر المستطاع، ومنها؛ زيوت المحرك، والمبيدات الحشرية، وعلب الطلاء، والمنظفات، والأدوية، وغيرها من المواد والنفايات. روى أصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ). (صحيح البخاري:239) دور الأفراد في التوعية للحفاظ على الماء يمكن للأفراد المشاركة في الأعمال التطوعية التي تهدف للحفاظ على المياه من التلوث أو الاستهلاك، ومن هذه النشاطات: البحث عن منظمات تُعنى بالمحافظة على مياه الأمطار، أو الآبار والتطوّع للمساعدة، ويمكن للشخص في حال عدم توفّرها تشكيل فريقه الخاص من المتطوعين لخدمة البيئة. الانضمام لفرقة تنظيف الشواطئ، والينابيع، أو الأراضي الرطبة، مما يساعد في الحفاظ على البيئة. تحضير عرض تقديمي وعرضه داخل المدرسة أو في إحدى المنظمات المعنية كقصور الثقافة لتسليط الضوء على أبرز المشكلات والمخاطر التي تواجه المياه؛ كالجريان السطحي للمياه الملوثة، وتهديد التوازن البيئي، والحرص على تقديم حلول وإجراءات للعمل على تفادي مثل هذه المشاكل؛ كالحد من استخدام الأسمدة والتأكد من سلامة أنظمة الصرف الصحي. المشاركة في صنع الملصقات الملونة، والأعمال الفنية البسيطة والمفهومة، وتعليقها قرب مصادر المياه؛ كالبحيرات والجداول؛ لتذكير الأفراد بضرورة عدم إلقاء النفايات على الأرض وخطورتها على المياه السطحية. تصميم المنشورات الإعلانية وتوزيعها على السكان المحليين والجيران لتذكيرهم بخطورة النفايات على جودة مياه الشرب المحلية. وتعد المياه إلى جانب الهواء من أهم عناصر الحياة، ولكنها من الموارد غير المتجددة، والتي قد يؤدي الاستخدام غير المنظّم لها إلى نفاذها في المستقبل القريب، إلا أنّ اتباع أساليب المحافظة عليها قد يساعد على تجنّب هذه الآثار في المستقبل، لذلك ظهرت الحاجة لدى العديد من المناطق والدول حول العالم إلى دعوة مواطنيها إلى ترشيد استهلاك المياه للمحافظة عليها خاصة بعد أحداث سد النهضة. ويجدر بالذكر هنا أنّ هناك العديد من الأسباب التي تدعو للمحافظة على المياه؛ ومن أبرزها ما يلي: تبرز أهمية المياه على إبقاء البشر، والحيوانات، والنباتات على قيد الحياة. توفّر المياه مواطن بيئية متخصصة للحياة البرية. إنّ ترشيد استهلاك المياه ينعكس إيجاباً على البيئة وعلى الدخل المادي للفرد؛ فتوفير استهلاك الماء يوفّر الطاقة التي يتم استخدامها لتنقية المياه، وتسخينها، وضخّها الى المنازل، مما يساعد بالتالي على التقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الى الهواء، والمحافظة على البيئة. ثانياً: أوجه النفع المالية الضمان الاجتماعي “تمام الكفاية” هو نظام يهدف إلى إعالة الأشخاص العاجزين عن تأمين عيشهم، لأسباب صحية وعائلية واجتماعية، خارج إرادتهم، والضمان أو حد الكفاية، من أولويات المذهب الاقتصادي في الإسلام، وعلى هذا “الضمان” تكاد تقوم مختلف أحكام المذهب الاقتصادي، وتطبيقاته. فمشروعية الملكية في الإسلام، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية إنما تهدف إلى توفير “حد الكفاية” للإنسان، كحق إلهي مقدس، قال تعالى: في سورة الماعون (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3))، فكفالة المحتاج، الذي لا شيء له يقوم بأوده وكفايته، واجب. وإذا كانت فكرة الضمان الاجتماعي قد استقرت في المجتمعات الغربية، كقرار سياسي، نتيجة لضغوط اجتماعية، شكلت تهديداً لأمن واستقرار تلك المجتمعات، التي أقرته بشكل رسمي سنة 1941 م، ويُعرَّف، كما في “الموسوعة السياسية”، على أنه: “نظام يهدف إلى إعالة الأشخاص العاجزين عن تأمين عيشهم، لأسباب صحية وعائلية واجتماعية، خارج إرادتهم”. فإن الإسلام، سبق الغرب في إقامة ضمان اجتماعي يفرضه الدين، وتنظمه الدولة، مؤكداً على قدسية هذا “الضمان”، المقصود منه الحق الثابت للفقراء في أموال الأغنياء، وإلزام الدولة بتحقيقه، قال تعالى في سورة المعارج: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (24) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)). لذلك، تُعدّ الزكاة، أول تشريع منظم في سبيل ضمان اجتماعي، غايتها، تحقيق الكفاية لكل محتاج: في المطعم والملبس، والمسكن، وسائر حاجات الحياة، وليس ذلك خاصاً بالمسلم فقط، بل يشمل من يعيش في ظل الدولة الإسلامية من اليهود والنصارى. إنّ الضمان الاجتماعي، أو “حد الكفاية”، في الإسلام، تعبير عن حق أفراد المجتمع في موارد مجتمعهم، وهذا ما تُبيّنه الآية السابعة من “سورة الحشر”، التي تُحدّد وظيفة “الفيء”، ودوره في المجتمع، بوصفه “قطاعاً عاماً”، قال تعالى: (مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ)، أي، توزيع المال بين أفراد المجتمع، فلا يُحتكر بيد طبقة الأغنياء. أما الطريقة التي اتخذها المذهب الاقتصادي في الإسلام، لتمكين الدولة من القيام بتحقيق الضمان الاجتماعي، تكمن، في ضرورة إيجاد القطاعات العامة، التي تتكون من “موارد الملكية العامة”، لكي تكون، إلى جانب الزكاة، ضماناً لحق المحتاجين من أفراد المجتمع، ورصيداً للدولة، بوصفها راعية اجتماعية، يمدها بالنفقات اللازمة لتحقيق الضمان الاجتماعي، ومنح كل فرد حقه في الحياة الكريمة، أو ما يعبر عنه الغرب بالمعيشة اللائقة. وفي حال ما إذا ضاقت الموارد عن تحقيق الضمان الاجتماعي، فإن المجتمع يتوجه إلى التكافل الاجتماعي، قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (سورة البقرة:219)، روى الطبري: ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: اﻟﻌﻔﻮ ﻣﺎ ﻓﻀﻞ ﻋﻦ ﺃﻫﻠﻚ. وهذا ما في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ). (صحيح البخاري:2486) فعلى أولي الأمر أن يفرضوا في أموال الأغنياء من التكاليف المالية ما يكفي لمعونة الفقراء، ويفي بحاجتهم الأصلية، لا أن تكون وظيفة الدولة، كما في الاقتصاد الغربي الحر، حماية الأغنياء من الفقراء! والتكافل الاجتماعي، يتم، في إطار المجتمع الإسلامي، على ثلاثة مستويات: التعاون الفردي: ويضم عموم الناس، كواجب على ذي الميسرة، قال تعالى: (وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ). (سورة التغابن:16) التعاون الأُسري: فالإسلام يعتبر أن سلامة الكل تبدأ من سلامة الجزء، وإصلاح المجتمع الكبير يبدأ من إصلاح الأسرة، باعتبارها النواة الصغرى للمجتمع، قال تعالى: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ). (سورة الأنفال:75) التعاون الجماعي: قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ). (سورة التوبة:71) صحيح أن “حد الكفاية”، أو “تمام الكفاية”، للمعيشة اللائقة، يختلف باختلاف البلدان، ويختلف بحسب ظروف كل مجتمع وتطوره، وكذلك، في تحول الكثير من الكماليات إلى ضروريات، إلاَّ أنَّ، الضمان الاجتماعي، يبقى، مسؤولية شرعية ثابتة على الدولة، وأولوية في المذهب الاقتصادي في الإسلام، ويبقى، الركيزة الأولى لصون المجتمعات من الهزات والانحرافات والفتن، وعاملا أساسيا في الاستقرار والتطور والتنمية، أما التكافل الاجتماعي فهو مشاركة المجتمع ككل في تأمين كفاف أفراده، كمشاركة دينية وجدانية وإنسانية. أهمية الضمان الاجتماعي الضمان الاجتماعي في الإسلام ينبع من ضمير الإنسان وأعماقه ولا يفرض عليه من الخارج عبر قوانين وضعية كما هو في الغرب، وذلك لأنه يتربى على هذا النمط من المسؤولية، فهناك الكثير من الآيات والأحاديث النبوية التي تحض الإنسان على البذل والإنفاق وتحثه على الكرم والعطاء، سواء في الحقوق الشرعية الواجبة أو التي ندب إليها الإسلام. نموذج الإسلام في الضمان الاجتماعي فالإسلام منهج حياة يهدف للارتقاء بكل ما للإنسانية من معنى، ولذا فهو فرض على الدولة حقوق للفقير والمريض والأرملة والعاجز وإن لم يكونوا مسلمين، وخير مثال على ذلك ما فعله خالد بن الوليد مع أهل الكتاب في الحيرة في السنة الثانية عشر من الهجرة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، من بيت مال المسلمين من كفاية عجزتهم. فإذا كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يعطون فقير أهل الكتاب من بيت المال مرتباً خاصاً ليعيش به حتى يأتيه الموت، حتى ولو لم يدن بالإسلام، لكي لا يكون في البلد الإسلامي مظهراً واحداً للفقر والجوع، ولكي يعرف العالم، والمسلمون أنفسهم أن الإسلام قضى على الفقر ورفع مستوى المعيشة، وبالفعل يدل على أن الفقر كاد ألا يرى لنفسه مجالاً في الدولة التي تتبنى المبادئ الاقتصادية الإسلامية. أسس الضمان الاجتماعي في الاقتصاد الإسلامي يعد الضمان الاجتماعي أحد المسؤوليات التي تقع على عاتق الدولة في ظل الاقتصاد الإسلامي، ويعتمد على أساسين: التكافل العام. حق الجماعة في موارد الدولة العامة. ولكل من الأساسين حدوده ومقتضياته، في تحديد نوع الحاجات التي يضمن إشباعها، وتعيين الحد الأدنى من المعيشة التي يوفرها مبدأ الضمان الاجتماعي للأفراد. فالأساس الأول للضمان الاجتماعي هو التكافل العام، المبدأ الذي يفرض فيه الإسلام على المسلمين كفاية، كفالة بعضهم لبعض ويجعل من هذه الكفالة فريضة على المسلم في حدود ظروفه وإمكاناته، يجب عليه أن يؤديها على أي حال كما يؤدي سائر فرائضه، إن الكفالة تجب في حدود الحاجات الضرورية، فالمسلمون إذا كان لديهم فضل من مؤونتهم لا يسعهم أن يتركوا أخاهم في حاجة شديدة، بل يجب عليهم إشباع تلك الحاجة وسدها. أما الأساس الثاني للضمان الاجتماعي هو حق الجماعة في مصادر الثروة، وعلى هذا الأساس تقوم الدولة بصورة مباشرة بضمان معيشة المعوزين والعاجزين، وهذا الأساس يتجاوز الأساس الأول الخاص بضمان الحاجات الضرورية، لينتقل إلى ضمان حاجات بالشكل الذي يجعل المجتمع ضمن مستوى معيشي معين وبدرجات متقاربة، وليس أن يكون للناس جميعاً مستوى واحد من الدخل، وعلى هذا الأساس سيتضاءل التفاوت الصارخ بين طبقات المجتمع الحاصل في النظام الوضعي وخصوصاً الرأسمالي. الضمان الاجتماعي يسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي وهذا الاستقرار ينسحب على المجالات الأخرى وخصوصاً الاجتماعية كالسياسة والاقتصاد وغيرها لأن المجالات الاجتماعية هي انعكاس لصورة المجتمع إذ كلما كان المجتمع يتصف بالاستقرار كلما انعكس هذا الاستقرار على تلك المجالات والعكس صحيح. ثالثاً: أوجه النفع المعنوية وسائل الارتقاء بالتعليم التعليم بلا شك هو السلاح الأهم الذى يجب أن تتسلح به الدول والشعوب، للنهوض والارتقاء نحو الأفضل، فالأموال والقوة لا تنفع أي مجتمع لا يتمتع بتعليم جيد، والحضارات التي لم تعتمد على التعليم انهارت واندثرت. والتعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز. وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقًا لمعايير الجودة العالمية، والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية، وفقًا للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن ٥ % من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها. عند تطوير أي منظومة، لابد من الارتقاء بالعناصر الأساسية فيها وهي: المعلم. والمناهج. والطالب. المعلم هو العامل الأول في العملية التعليمية، ولذلك تعامله الدول المتحضرة باحترامٍ كبير، وله مكانةٌ رفيعة في المجتمعات المتقدمة. وهذه الدول لم تصبح هكذا في يوم وليلة ولا بين عشية وضحاها، ولكنها مرت بظروف أشبه أو أسوأ مما نمر به، وكانت أيضا نظرة المجتمع للمدرسين فيها كثير من الاستهانة بل ربما وصلت للإهانة، وكانت حالهم رثة وعانوا معاناة شديدة، وكانت بلادهم تمر بنفس الأزمات التي نمر بها، بل ربما أكثر وطأة، وكانت خزينة تلك الدول تعاني، ولم يكن في استطاعتها أن توفر لهم الحياة المادية اللائقة. ففي عهد فرانز جوزيف الأول (‏18 أغسطس 1830 – 21 نوفمبر 1916) قيصر النمسا: كان حال المدرس النمساوي، ونظرة المجتمع له من السوء بمكان، فذهبوا للقيصر يطالبونه بتحسين وضعهم، وزيادة مرتباتهم، ولم يكن في وسع القيصر النمساوي أن يخرج من خزانته المزيد، ولكنه لم يرفض طلب المدرسين في تحسين أحوالهم، فخيرهم بين أمرين: إما أن يزيد مرتباتهم – ولم يكن يستطيع ذلك بالطبع – أو يمنح المدرس لقب “بروفسور” تقديرا معنويا للدور الهام الذي يقوم به. فاختار مدرسو النمسا التقدير المعنوي بتشريفهم بلقب يضفي عليهم جلالا، حتى اللحظة الآنية، من أن تزداد دخولهم التي تحسنت كثيرا بتحسن المجتمع الذين صنعوه … تُرَى ماذا يفعل مدرسونا لو وقفوا أمام هذا الاختيار! إنه لا مفر – إن أردناها نهضة حقيقة – من إعداد المعلم إعدادا مناسبا، ومن الاهتمام به ليصبح في رأس هرم السلم الاجتماعي، ليشعر بالفخر باهتمام أمته به، ويعطي عن حب ورغبة في أن يصبح المنتج الذي يقوم عليه منتجا رائعا، ينهض بالأمة فيفخر به. يقول شوقي رحمه الله: قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا وَطَبَعتَهُ بِيَدِ المُعَلِّمِ تارَةً صَدِئَ الحَديدُ وَتارَةً مَصقولا أَرسَلتَ بِالتَوراةِ موسى مُرشِداً وَاِبنَ البَتولِ فَعَلِّمِ الإِنجيلا وَفَجَرتَ يَنبوعَ البَيانِ مُحَمَّداً فَسَقى الحَديثَ وَناوَلَ التَنزيلا عَلَّمتَ يوناناً وَمِصرَ فَزالَتا عَن كُلِّ شَمسٍ ما تُريدُ أُفولا لذا يجب تمكين المدرسين من أن يصبحوا معلمين مؤثرين، فمن غير معلم جيد لا يمكننا إيصال المعلومة بالشكل الصحيح، واختيار المعلم يجب أن يكون بشكل مدروس ومخطط له لأن دوره فى المجتمع يكاد يكون الأهم، فبينما يكون الطبيب والمهندس مسئولين عن حياة عدد من الناس، يكون المعلم مسئولًا عن مصير وحياة المجتمع بأسره، ومن المهم امتلاك المدرس لمؤهلات عدة أهمها العلم، وكذلك طريقة إيصاله للطلاب، وغرسها فى فكر الطالب وعقله وأن يكون محبًا للأطفال والنقاشات الفكرية ومنفتح العقل. تحسين المناهج، والمنهج التعليمي لا يقتصر على الكتاب فقط، فالمنهج الصحيح هو كتب ومصادر ووسائل تعليمية أخرى منها الوسائط الصوتية والمرئية لإعطاء الطالب فرصة التفكير والاستنباط والتحليل، والبحث عن المعلومة والتمييز ما بين المعلومة الصحيحة والخاطئة. يجب الربط بين المناهج المختلفة، وإزالة الحشو الهائل بالكتب بما يتناسب مع عمر الطالب والمدة الزمنية التي يدرس فيها. يجب تقييم الطلاب بطرق حديثة لا تعتمد على الامتحانات الكتابية فقط، بل يجب قياس قدرتهم على المشاركة فى الحصص وإبداء رأيهم فيها، حيث تشكل هذه العناصر الثلاثة (المعلم والمنهج والطالب) المثلث الرئيسي للعملية التعليمية. وابتكار طرق جديدة وحديثة لتوصيل المعلومة، والقضاء على الحفظ والتلقين والعودة إلى الفهم والابتكار. تحسين رواتب ودخول المدرسين، بما يكفل لهم حياة كريمة، مع حظر الدروس الخصوصية بشكل تام. وتعمد بعض الدول المتقدمة إلى تقسيم السنة إلى مجموعة فصول دراسية فما يتم امتحانه لا يعاد امتحانه مرة أخرى، وتزويد المدارس بأجهزة ومعلمين مدربين فضلًا عن مضاعفة عدد المدارس لتقليل الكثافة العددية بالفصول. والاهتمام الفعلي بالأنشطة وتنمية مهارات الطالب وإلغاء نظام الثانوية العامة، وابتكار نظام حديث يؤهل الطالب لدراسة التخصص الذى يميل إليه ويتفوق فيه وربط المدارس بالمصانع. وأن يتم دراسة المواد المؤهلة لكل كلية فى مرحلة الثانوي، وتوفير البنية التحتية من ملاعب رياضية ومعامل إلكترونية وعلمية إضافة إلى تطوير المدارس التي تعانى من تردى مبانيها وخدماتها.
  9. جزاكم الله خيراً على دعمكم المستمر والمشجع
  10. النبي معلماً ومربياً من خطب الجمعة للشيخ محمد نبيه يوضح فيها أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في التربية والتعليم من اختيار الوقت المناسب للتربية والرفق بالمتعلم وتعليمه بالأسلوب الحسن وغيرها من الأساليب النبوية. # معلم البشرية # المعلِّم الأول والمربِّي الأمثل، وأيُّ معلمٍ كان، بل أيُّ إنسانٍ، أيُّ إيمانٍ، وأيُّ عزمٍ، وأيُّ مضاء، أيُّ خلقٍ، وأيُّ أسلوبٍ، وأيُّ عطاء. وهل يظن ظانٌ أنه يوجد أو سيوجد على وجه الأرض من هو أسمى وأعلى وأشرف من الرسول صلى الله عليه وسلم معلِّما ومربِّياً؟ فهو الذي بعثه الله تعالى في أمة سيطر عليها الجهل واستولت عليها الخرافة، فصنع بإذن الله منها أمة حاملة لرسالة العلم والتعليم. قال تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) (سورة البقرة: 151) فمع المعلِّم الأول ومع هديه صلى الله عليه وسلم نقف هذه الوقفات العابرة. # الرسول المعلم والمربي # قال تعالى وتقدس: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (سورة الجمعة:2)، ولم يكن أحد أحسن تعليماً منه صلي الله عليه وسلم لم يكن يكهر ولا ينهر ولم يكن يكل ولا يمل. كان صلى الله عليه وسلم يراعي في تربيته وتعليمه لأصحابه القصد والاعتدال، بل وكان يتعهد أحوالهم قبل تذكيرهم وتعليمهم، وهذه من حكمته صلى الله عليه وسلم حتى لا ينفروا. # أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في التربية والتعليم # التربية والتعليم للشرائع بالتدرج. التربية والتعليم بالقصص، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (كانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ). مراعاته صلى الله عليه وسلم لمقتضى حال أصحابه فكان يعلم كل إنسان ما يناسبه بالحوار تارة والمساءلة تارة، وبالمحادثة تارة والموازنة العقلية تارة. فجمع صلى الله عليه وسلم بين القول والإشارة وضرب الأمثال في التعليم، إجابة السائل عن سؤاله، الوعظ والتذكير. * التربية والتعليم بالقدوة كان النبي معلماً ومربياً يربي أصحابه بالقدوة الحيّة الماثلة فيه صلى الله عليه وسلم، فكان يدعوهم إلى تقوى الله وهو أتقاهم، وينهاهم عن الشيء فيكون أشدّهم حذراً منه، ويعظهم ودموعه على خدّه الشريف. ويوصيهم بأحسن الخلق، فإذا هو أحسنهم خلقاً، ويندبهم إلى ذكر الله وإذا به أكثرهم ذكراً، ويناديهم إلى البذل والعطاء ثم يكون أسخاهم يداً وأكرمهم نفساً، وينصحهم بحسن العشرة مع الأهل، ثم تجده أحسن الناس لأهله رحمة وعطفاً ورقةً ولطفاً. * اختيار الوقت المناسب للتربية فكان صلى الله عليه وسلم يتخوّل أصحابه بالموعظة كراهية السآمة والملل عليهم، أي يتركهم فترات من الزمن بلا وعظ ليكون أنشط لنفوسهم وأروح لقلوبهم، فكان إذا وعظهم أوجز وأبلغ️. وكان ينهى عن التطويل على الناس وإدخال المشقة عليهم، سواء في الصلاة أو الخطب، ويقول: (إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِن فِقْهِهِ، فأطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الخُطْبَةَ). (صحيح مسلم:869) وكان يترك لأصحابه فرصة يسمع منهم ويصحح لهم: كما أنكر عمر على الحبشة لعبهم بالحراب في مسجده صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: (لِتعلمَ يهودُ أنَّ في دِيننا فُسحةً). (السلسلة الصحيحة:6/1023) ودخل أبو بكر عليه صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة رضي الله عنها وعندها جاريتان تغنيان يوم العيد، فقال أبو بكر: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبَا بَكْرٍ، إنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وهذا عِيدُنَا). (صحيح البخاري:952) وسأل صلى الله عليه وسلم عائشة عن زواج حضرته للأنصار فقال: (يا عائِشَةُ، ما كانَ معكُمْ لَهْوٌ؟ فإنَّ الأنْصارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ). (صحيح البخاري:5162) كل هذا في حدود المباح الذي يريح النفس ويذهب عنها السأم والملل، أما الحرام فكان أبعد الناس عنه صلى الله عليه وسلم. # التربية والتعليم للصغار # قال صلى الله عليه وسلم لأحدهم وهو عمر بن أبي سلمة: (يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بيَمِينِكَ، وَكُلْ ممَّا يَلِيكَ). (صحيح مسلم:2022) وزرع في الآخر حب الله وخشية الله فقال: (والله يا أنس لولا خوف الله ولولا خشية الله لضربتك بهذا المسواك)، وعلم الشباب فقال لأحدهم: (كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ). (صحيح البخاري:6416) وقال للآخر: (أحكم السفينة فإن البحر عميق واستكثر من الزاد فإن السفر طويل وخفف الحمل فإن العقبة كؤود وأخلص العمل فإن الناقد بصير). # التربية والتعليم للكبار # روى أبو بكرة نفيع بن الحارث أن رجلاً قال: يا رسول الله، من خير الناس؟ قال: (مَن طالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ). قال: فأي الناس شر؟ قال: (مَن طالَ عُمُرُهُ، وَساءَ عَمَلُهُ). (تخريج المسند:20504) وقال لآخر: (لا يَزالُ لِسانُكَ رَطْبًا من ذِكرِ اللهِ). (تخريج المسند:17680) وقف رسول الله بين أصحابه معلماً ومربياً وناصحاً أميناً يعظهم ويعلمهم ويفقههم باللين تارة وبالحلم تارة والصبر تارة أخري، وقد كان من أصحابه السهل وكان منهم الصلب فما كان أحد أحسن تعليما للجميع منه عليه الصلاة والسلام. فما أحوج كلُّ واحد منا في موقع إنتاجه وعطائه وفي بيته ومع زوجه وولده وجاره وصحبه وبحسب ما منَّ الله به عليه من قدرات فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها ولا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها أن يتحرى وأن يتحسس هدي النبي عليه الصلاة والسلام ففي اتباع الهدي النبوي نجاة وأي نجاة. # الرفق بالمتعلم وتعليمه بالأسلوب الحسن # روى مسلم في صحيحه عن معاويةَ بن الحكم السُلمي رضي الله عنه قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أُميّاه! ما شأنكم؟ تنظرون إليَّ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتُهم يصمِّتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسنَ تعليماً منه، فو الله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: (إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ). (صحيح مسلم:537) فتأمل يا أُخي هذا الأسلوب من نبينا المصطفى المعلم الأول صلى الله عليه وسلم، فرغم أنَّ هذا الخطأ كان خطأ كبيراً لأنه من مبطلات الصلاة التي هي عماد الدين، إلا أنه لم يعنف صاحبه، ولم يوبخه، إنما علَّمه برفق ولين وأسلوب حسن. ومن رفقه صلى الله عليه وسلم في تعليمه كان يقول: (إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي علَى الرِّفْقِ ما لا يُعْطِي علَى العُنْفِ) (صحيح مسلم:2593)، ويقول: (إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيءٍ إلَّا شانَهُ). (صحيح مسلم:2594) وكان يصل الى قلوب الناس بألين السبل حتى قال فيه ربه عز وجل: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) (سورة آل عمران:159)، فهو أعظم من تمثل خلق القرآن، فتجده القريب من النفوس، الحبيب إلى القلوب. روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا. فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: (لقَدْ حَجَّرْتَ واسِعًا) يريد رحمة الله أي أنه ضيّق رحمة الله التي وسعت كل شيء. (صحيح البخاري:6010) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ) فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: (إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ)، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه. (صحيح مسلم:285) وفي الصحيحين أن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه يقول: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ)، فما زالت تلك طعمتي بعد. (صحيح البخاري:5376) وفي الصحيحين أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليك، قال: وعليكم، فقالت عائشة: السام عليكم، ولعنكم الله وغضب عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَهْلًا يا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بالرِّفْقِ، وإيَّاكِ والعُنْفَ، أوِ الفُحْشَ)، قالت: أولم تسمع ما قالوا؟! قال: (أوَلَمْ تَسْمَعِي ما قُلتُ؟ رَدَدْتُ عليهم، فيُسْتَجَابُ لي فيهم، ولَا يُسْتَجَابُ لهمْ فِيَّ). (صحيح البخاري:6401) ليس في قاموس حياته صلى الله عليه وسلم ولا في معجم أدبه كلمة نابية ولا بذيئة ولا فاحشة، وإنما طهر كله ونقاء وصفاء ولين ووفاء، لأنه رحمة مهداة، ونعمة مسداة، وبركة عامة، وخير متصل. # العناية بالمتعلم والاهتمام به # روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّث، فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال، وقال بعضهم بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: (أيْنَ – أُرَاهُ – السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟) قال: ها أنا يا رسول الله، قال: (فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)، قال: كيف إضاعتها؟ قالَ: (إذَا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ). (صحيح البخاري:59) فهو صلى الله عليه وسلم رغم أنه كان مشغولاً بحديثه لم ينس هذا السائل ولم يهمله، إنما كان مهتماً به فأجابه على سؤاله لما فرغَ من كلامه، وهذا الاهتمام يكشف عن تلك النفس الإنسانية العالية، والخلق السامي الرفيع من رسولنا الكريم المعلم الأول صلى الله عليه وسلم. # إيجاد الدافعية للتعلم من خلال إشعار المتعلم بحاجته إلى العلم # روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام فقال: (ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ارْجِعْ فَصَلِّ، فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق، فما أحسن غيره، فعلمني، قال: (قَالَ: إذَا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ معكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذلكَ في صَلَاتِكَ كُلِّهَا). (صحيح البخاري:793) وهكذا أوجد عليه الصلاة والسلام لديه الدافعية للتعلم والرغبة الذاتية فيه، وفرق بين أن يعمله صلى الله عليه وسلم ابتداء، وبين أن يشعر هو بحاجته للعلم ورغبته الشديدة فيه، فهذا أدعى للقبول وأعمق في التأثير. # استغلال المواقف والأحداث وربطها بالتعليم # إنَّ المواقف والأحداث تستثير مشاعر جياشة في النفس، فحين يستثمر هذا الموقفُ يقع التعليم موقعه المناسب ويبقى الحدث وما صاحبه من توجيه وتعليم صورة منقوشة تستعصي على النسيان. وهذا ما كان يستخدمه رسولنا الكريم المعلم الأول صلى الله عليه وسلم في تعليمه كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَتَرَوْنَ هذِه المَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟) قلنا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَلَّهُ أَرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا). (صحيح مسلم:2754) من انتهازه صلى الله عليه وسلم المناسبات العارضة في التعليم أنه كان يربط بين المناسبة القائمة، والعلم الذي يريد بثه وإذاعته كما في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلا من بعض العالية، والناس كنفيه، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله، فأخذ بأذنه، ثم قال: (أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟) فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: (أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟) قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه؛ لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال: (فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ). (صحيح مسلم:2957) فعلم صلى الله عليه وسلم (بالترغيب والترهيب) وعدم اقتصاره على الترهيب خشية التنفير، ولا على الترغيب لئلا يؤدي إلى الكسل وترك العمل. تعليمه بالعبرة (بالقصص وأخبار الماضين) ليكون في ذلك العبرة والموعظة والقدوة والائتساء كما في صحيح البخاري من حديث الرجل والكلب العطش، وفي صحيح البخاري من حديث المرأة والهرة التي حبستها. ضبط المعلومات بالكتابة (اتخاذه صلى الله عليه وسلم الكتابة وسيلة في التعليم والتبليغ ونحوهما) فقد كان له أكثر من خمسة عشر كاتباً يكتبون عنه القرآن، وكتاب آخرون إلى الآفاق والملوك لتبليغ الإسلام، والدعوة إليه. وبعد أن يورد المؤلف ثلاثين أسلوباً، من مثل اهتمامه بتعليم النساء ووعظهن، واكتفائه بالتعريض والإشارة في تعليم ما يستحيا منه، وتعليمه بالمقايسة والتمثيل، واستعادة السؤال لإيفاد بيان الحكم، وإجماله الأمر ثم تفصيله ليكون أوضح وأمكن في الحفظ والفهم، يختم بالتعليم بذاتيته الشريفة صلى الله عليه وسلم، فهو معلم بذاته الشريفة لكل متعلم ومسترشد، تتمثل فيه غاية التعليم بأساليبه المختلفة، فقد كان صلى الله عليه وسلم معلماً، بمظهره ومخبره، وحاله ومقاله، وجميع أحواله. # استخدام أسلوب المحاورة والإقناع العقلي # وهو أسلوب تربوي ناجح، ويثير المتعلم، ويشوقه لفهم المعلومة، فمرة يسأل أصحابه عن حق الجار، وآخري عن المفلس، أومن المسلم؟ وكل ذلك لإثارة المتعلمين في قبول المعلومة وفهمها. روى أحمد في مسنده عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إنَّ فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إئذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال: (ادنُهْ)، فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: (أتُحبُّهُ لأُمِّكَ؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: (ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لأُمَّهاتِهِم)، قال: (أفتحبُّهُ لابنتِكَ؟) قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: (ولا النَّاسُ يحبُّونَه لبَناتِهِم)، قال: (أفتُحبُّهُ لأُخْتِكَ؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: (ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لأخواتِهِم)، قال: (أفتُحبُّهُ لعمَّتِكَ؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: (ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لعمَّاتِهِم)، قال: (أفتُحبُّه لخالتِكَ؟) قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: (ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لخَالاتِهِم)، قال: فوضع يده عليه وقال: (اللَّهُمَّ اغفِرْ ذَنبَه، وطَهِّرْ قلْبَه، وحَصِّنْ فَرْجَه)، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. (الصحيح المسند:501) ففي هذا الحديث نلمس عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم المعلم الأول والمربِّي الأمثل، وحسن تعليمه وتأمله مع هذا الشاب، فلم يزجره ولم يقل له إن الله حرم الزنا ورتب على ذلك وعيداً شديداً، لأن هذه الأمور معلومة لدى الشاب، فهو ليس بجاهل، فكانت الوسيلة المناسبة له الإقناع العقلي والحوار الهادئ من قلب مفعم بالرحمة والرأفة والشفقة. # عدم التصريح بالأسماء في معرض التوبيخ # غالباً ما يكون التوبيخ له أثر في نفس الموبَّخ، ويعظم هذا الأثر إن كان التوبيخ بحضور الآخرين. ورسولنا الكريم المعلم الأول صلى الله عليه وسلم كانت له طريقة فريدة من نوعها في معالجة الأخطاء الظاهرة، فكان عليه الصلاة والسلام يشهِّر بالخطأ ويذمه ولا يشهِّر بصاحب الخطأ، لأن الغرض من التشهير بالخطأ التحذير من الوقوع فيه وذمه وليس التشفي من المخطئ. في الصحيحين عن أبي حُميدٍ الساعدي قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من بني أسد يقال له ابن الأتبية على صدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر – قال سفيان أيضا فصعد المنبر – فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (ما بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتي يقولُ: هذا لكَ وهذا لِي، فَهَلَّا جَلَسَ في بَيْتِ أبِيهِ وأُمِّهِ، فَيَنْظُرُ أيُهْدَى له أمْ لا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا يَأْتي بشيءٍ إلَّا جَاءَ به يَومَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ علَى رَقَبَتِهِ، إنْ كانَ بَعِيرًا له رُغَاءٌ، أوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أوْ شَاةً تَيْعَرُ) ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ألا هل بلغت ثلاثا. (صحيح البخاري:7174) # تشجيع المتميزين والثناء الحسن عليهم # لما كانت النفس البشرية تميل إلى حب سماع الكلام الطيب والثناء الحسن خاصة مع الجد والاجتهاد، لذلك كان نبينا الكريم المعلم الأول صلى الله عليه وسلم يحرص على استخدام عبارات التشجيع والثناء الحسن لمن كان أهلاً لذلك. روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقَدْ ظَنَنْتُ، يا أبَا هُرَيْرَةَ، أنْ لا يَسْأَلَنِي عن هذا الحَديثِ أحَدٌ أوَّلُ مِنْكَ، لِما رَأَيْتُ مِن حِرْصِكَ علَى الحَديثِ، أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ مَن قَالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِن قِبَلِ نَفْسِهِ). (صحيح البخاري:6570) فتخيَّل بارك الله فيك شعور أبي هريرة رضي الله عنه وهو يسمع هذا الثناء وهذه الشهادة من النبي صلى الله عليه وسلم بحرصه على العلم، بل وتفوقه على كثير من أقرانه، ولك أن تتصور يا أخي كيف سيكون هذا الشعور دافعاً لمزيد من الحرص والجد والاجتهاد. فما أروعه من معلمٍ ومربِّ ليس له مثيل صلوات ربي وتسليماته عليه وآله وصحبه. استعمال وسائل الإيضاح بأشكالها المتعددة (بالرسم على الأرض والتراب): جاء في تخريج المسند عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فخط بيده في الأرض خطاً هكذا أمامه، فقال: (هذا سَبيلُ اللهِ)، وخطين عن يمينه، وخطين عن شماله، وقال: (هذه سَبيلُ الشَّيطانِ)، ثم وضع يده في الخط الأوسط، ثم تلا هذه الآية: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (سورة الأنعام:153)). (تخريج المسند:15277) # من الأسلوب النبوي في التعليم # التدريج في التعليم (تعليمه صلى الله عليه وسلم الشرائع بالتدريج) مقدماً الأهم فالأهم، ومعلماً شيئاً فشيئاً، ليكون أقرب تناولاً، وأثبت على الفؤاد حفظاً وفهماً، من ذلك ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه: “كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن”. ومن تطبيقاته في أساليب المربين ما قاله ابن شهاب: “ولا تأخذ العلم جملة، فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي”. رعاية الفروق الفردية في المتعلمين، وقد أشار المؤلف إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شديد المراعاة للفروق الفردية بين المتعلمين من المخاطبين والسائلين، فكان يخاطب كل واحد بقدر فهمه، وبما يلائم منزلته، من ذلك قوله لرجل: (لا تغضب) وكررها ثلاثاً، وأمره لآخر وقد جاء يبايعه على الجهاد والهجرة أن يبقى مع والديه، ويحسن صحبتهما، وطلبه من أحدهم وقد سأله ما أكثر ما يخافه عليه، أن يمسك عليه لسانه!! تعليمه بالحوار والمساءلة، وهي طريقة تذهب الملل عن السامع وتجعله يحفظ ما يسمع وقد رآه شاخصاً أمام عينيه كما في حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلون الحديث لأصحابه ألواناً كثيرة، فتارة يكون سائلاً، وتارة يكون مجيباً، وتارة يجيب السائل بقدر سؤاله، وتارة يزيد ما سأل، وتارة يضرب المثل لما يريد تعليمه، وتارة يصحب كلامه القسم بالله تعالى، وتارة يلفت السائل عن سؤاله لحكمة بالغة منه صلى الله عليه وسلم، وتارة يعلم بطريق الكتابة، وتارة بطريق الرسم، وتارة بطريق التشبيه أو التصريح، وتارة بطريق الإبهام أو التلويح. وكان صلى الله عليه وسلم تارة يطلب من أصحابه الإفادة دون سؤال منهم! لا سيما في الأمور المهمة التي لا ينتبه لها كل واحد حتى يسأل عنها، فكان صلى الله عيه وسلم يعلم أصحابه جواب الشبهة قبل حدوثها، خشية أن تقع في النفوس فتستقر بها، وتفعل فعلها السيئ. وتحذيره من الفتور في التعليم والتعلم، ثم كلمة وجيزة عن شخصيته التعليمية التي تبرز فيها الرأفة والرحمة، وترك العنت وحب اليسر، والرفق بالمتعلم، والحرص عليه، وبذل العلم والخير له في كل وقت ومناسبة، ثم كلمات جامعة في بيان خصائص هذا الرسول المعلم وفضائله، وشرف أخلاقه وشمائله، تتبدى منها جوانب شخصيته العامة، لأن معرفتها من تمام معرفة شخصيته التعليمية، التي هي جزء منها ولا تستقل عنها، كما يتبدى منها أيضاً مبعث قبول أقواله وأحكامه الصادرة عنه، والتأسي بأفعاله الواردة منه، ومدى وقعها في النفوس، وهي تشمل كل جانب من جوانب الحياة والدين.
  11. صفحة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم من خطبة عن النبي القدوة للشيخ محمد نبيه الواعظ بالأزهر الشريف # قدوة للمسلمين # من خلال ما رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي). المرأة بطبيعتها تحب من يدللها، وقد فطن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الأمر وأولاه رعاية في تعاملاته مع زوجاته، لذا كان يتعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع زوجاته بمودة ورحمة ورومانسية نفتقدها في تعاملاتنا المعاصرة مع زوجاتنا. فكان صلى الله عليه وسلم يراعي نفسية زوجاته وغيرتهن، ويفعل ما يسعدهن ويدخل السرور إلى أنفسهن ولو بأمور بسيطة، ولكنها كانت تجعل البيت النبوي مليئا بالحب والصفاء. # تدليل النبي لنسائه # في الصحيحين كان يقول: (يا عائِشَ هذا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ). (صحيح البخاري:6201) وروى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن عائشة قالت: “كنت أتعرق العظم وأنا حائض، فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه”. (صحيح أبي داود:259) وهذا الحديث نص صريح في المؤاكلة، والمشاربة مع الحائض وأن سؤرها وفضلها طاهران، وهذا هو الصحيح. وكذلك رومانسيته صلى الله عليه وسلم مع زوجاته حتى وقت الشدة والحروب رغم المسؤوليات والمشقة. روى سعيد بن منصور في سننه ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ، ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ ﻷﺑﻲ ﻃﻠﺤﺔ: (اﻟﺘﻤﺲ ﻟﻲ ﻏﻼﻣﺎ ﻣﻦ ﻏﻠﻤﺎﻧﻜﻢ ﻳﺨﺪﻣﻨﻲ) ﺣﻴﻦ ﺧﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﺧﻴﺒﺮ، ﻓﺨﺮﺝ ﺑﻲ ﺃﺑﻮ ﻃﻠﺤﺔ ﻣﺮﺩﻓﻲ، ﻭﺃﻧﺎ ﻏﻼﻡ ﻗﺪ ﺭاﻫﻘﺖ اﻟﺤﻠﻢ، ﻓﻜﻨﺖ ﺃﺧﺪﻡ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺇﺫا ﻧﺰﻝ، ﻓﻜﻨﺖ ﺃﺳﻤﻌﻪ ﻛﺜﻴﺮا ﻳﻘﻮﻝ: (اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ اﻟﻬﻢ ﻭاﻟﺤﺰﻥ، ﻭاﻟﻌﺠﺰ ﻭاﻟﻜﺴﻞ، ﻭاﻟﺒﺨﻞ ﻭاﻟﺠﺒﻦ، ﻭﺿﻠﻊ اﻟﺪﻳﻦ ﻭﻏﻠﺒﺔ اﻟﺮﺟﺎﻝ) ﺛﻢ ﻗﺪﻣﻨﺎ ﺧﻴﺒﺮ، ﻓﻠﻤﺎ ﻓﺘﺢ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺼﻦ ﺫﻛﺮ ﻟﻪ ﺟﻤﺎﻝ ﺻﻔﻴﺔ ﺑﻨﺖ ﺣﻴﻲ ﺑﻦ ﺃﺧﻄﺐ، ﻭﻗﺪ ﻗﺘﻞ ﺯﻭﺟﻬﺎ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻋﺮﻭﺳﺎ، ﻓﺎﺻﻄﻔﺎﻫﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻨﻔﺴﻪ، ﻓﺨﺮﺝ ﺑﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﻨﺎ ﺳﺪ اﻟﺼﻬﺒﺎء ﺣﻠﺖ، ﻓﺒﻨﻰ ﺑﻬﺎ، ﺛﻢ ﺻﻨﻊ ﺣﻴﺴﺎ ﻓﻲ ﻧﻄﻊ ﺻﻐﻴﺮ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: (ﺁﺫﻥ ﻣﻦ ﺣﻮﻟﻚ) ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﻭﻟﻴﻤﺔ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺻﻔﻴﺔ، ﺛﻢ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﺤﻮﻱ ﻟﻬﺎ ﻭﺭاءﻩ ﺑﻌﺒﺎءﺓ، ﺛﻢ ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﻴﺮﻩ ﻓﻴﻀﻊ ﺭﻛﺒﺘﻴﻪ، ﻓﺘﻀﻊ ﺻﻔﻴﺔ ﺭﺟﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﻛﺒﺘﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﺮﻛﺐ، ﻓﺴﺮﻧﺎ ﺣﺘﻰ ﺇﺫا ﺃﺷﺮﻓﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺃُﺣﺪ، ﻓﻘﺎﻝ: (ﻫﺬا ﺟﺒﻞ ﻳﺤﺒﻨﺎ ﻭﻧﺤﺒﻪ) ﺛﻢ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﻓﻘﺎﻝ: (ﺇﻧﻲ ﺃﺣﺮﻡ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻻﺑﺘﻴﻬﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺣﺮﻡ ﺑﻪ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻣﻜﺔ، اﻟﻠﻬﻢ ﺑﺎﺭﻙ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺪﻫﻢ ﻭﺻﺎﻋﻬﻢ). # النبي القدوة في حسن العشرة # * كان يثق بهن ولا يخونهن روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم ويلتمس عثراتهم. (صحيح مسلم:715) * كان يساعدهن في أعباء المنزل روى أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عائشة، قالت: سئلت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: كان بشرا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه. وروى أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عائشة، أنها سئلت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت: كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم. * كان يواسيهن ويمسح دموعهن روى الخرائطي في اعتلال القلوب: ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﻗﺎﻝ: “ﻛﺎﻧﺖ صفية ﻣﻊ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺳﻔﺮ، ﻭﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﻮﻣﻬﺎ، ﻓﺄﺑﻄﺄﺕ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﻴﺮ ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻠﻬﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻫﻲ ﺗﺒﻜﻲ ﻭﺗﻘﻮﻝ: “ﺣﻤﻠﺘﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻞ ﺑﻄﻲء”، ﻓﺠﻌﻞ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻤﺴﺢ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻭﻳﺴﻜﻨﻬﺎ”. * كان يشتكي لهن ويستشيرهن في أدق الأمور ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه من استشارته صلى الله عليه وسلم لأم سلمة في صلح الحديبية لما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم القضية بينه وبين مشركي قريش، وذلك بالحديبية عام الحديبية، قال لأصحابه: (قوموا فانحروا واحلقوا)، قال: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكرت ذلك لها، فقالت أم سلمة: يا نبي الله اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم بكلمة، حتى تنحر بدنك وتدعوا حلاقك فتحلق، فقام فخرج ولم يكلم منهم أحد، حتى فعل ذلك، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعض غما. * كان يتنزه معهن ويسامرهن كان من أخلاقه صلى عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نسائه، حتى أنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في البرية في بعض سفراته يتودد إليها بذلك. روى أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عائشة قالت: “سابقني رسول الله فسبقته فلبثت حتى إذا أرهقني اللحم أي سمنت سابقني فسبقني فقال: (هذه بتلك)، يشير إلى المرة الأولى”. * كان لا يضربهن ولا يعنفهن روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضرب شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل. فيه أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحا للأدب فتركه أفضل. * كان يدخل عليهن الفرحة روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. * كان يذكر محاسنهن وخلالهن روى أحمد في مسنده بسند حسن عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء. قالت: فغرت يوما فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق، قد أبدلك الله عز وجل بها خيرا منها. قال: (مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ). وقال الإمام أحمد عن ابن إسحاق، أخبرنا مجالد عن ابن شعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها بأحسن الثناء. * كان يتودد لمعارفهن وأحبتهن روى الحاكم في المستدرك ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻭﻗﺎﻝ ﺻﺤﻴﺢ ﻋﻠﻰ ﺷﺮﻁ اﻟﺸﻴﺨﻴﻦ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﻋﻠﺔ، ﺇﻛﺮاﻣﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻌﺠﻮﺯ ﺩﺧﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻗﻮﻟﻪ: (ﺇﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺄﺗﻴﻨﺎ ﺃﻳﺎﻡ ﺧﺪﻳﺠﺔ ﻭﺇﻥ ﺣﺴﻦ اﻟﻌﻬﺪ ﻣﻦ اﻹﻳﻤﺎﻥ). وفي صحيح البخاري ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﻗﺎﻟﺖ: ﻣﺎ ﻏﺮﺕ ﻋﻠﻰ اﻣﺮﺃﺓ ﻣﺎ ﻏﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻳﺠﺔ، ﻭﻟﻘﺪ ﻫﻠﻜﺖ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﺰﻭﺟﻨﻲ ﺑﺜﻼﺙ ﺳﻨﻴﻦ، ﻟﻤﺎ ﻛﻨﺖ ﺃﺳﻤﻌﻪ ﻳﺬﻛﺮﻫﺎ، ﻭﻟﻘﺪ ﺃﻣﺮﻩ ﺭﺑﻪ ﺃﻥ ﻳﺒﺸﺮﻫﺎ ﺑﺒﻴﺖ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ ﻣﻦ ﻗﺼﺐ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻟﻴﺬﺑﺢ اﻟﺸﺎﺓ ﺛﻢ ﻳﻬﺪﻱ ﻓﻲ ﺧﻠﺘﻬﺎ ﻣﻨﻬﺎ. قولها: (ﺧﻠﺘﻬﺎ): ﺃﺧﻼﺋﻬﺎ ﻭﺃﺣﺒﺎﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺒﺎﺕ ﻭﻣﻌﺎﺭﻑ ﻭﺻﺪﻳﻘﺎﺕ ﻭﻛﺎﻥ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﻭﻓﺎء ﻟﻬﺎ ﻭﺣﻔﻈﺎ ﻟﻌﻬﺪﻫﺎ. وهذا الأمان والأمن له عظيم الأثر على الحياة الزوجية: فالزوج عندما يتكلم مع زوجته بهذه اللغة وبهذا المستوى من الحوار يعطيها الأمن، والراحة، والحب، والاحترام، ويعطيها تحقيق الذات وهذا مستوى راقٍ جداً في الحوار، فالعلاقة الزوجية هنا ناجحة والحوار ناجح جداً. # النبي القدوة في حواره مع زوجاته مستويات الحوار مع الزوجة والمتمثلة في: * التحية والسلام. * الحقائق. * الرأي. * المشاعر. المطلع على السيرة النبوية الشريفة يجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ارتقى في مستوى حواره مع زوجاته فأعطى كل مستوى حقه. وإنما كان عليه الصلاة والسلام زوجاً حنوناً رحيماً يعطف على أزواجه ويرحمهن ويبتسم لهن ويعاملهن معاملة حسنة، معاملة نبوية كريمة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يجمع بين تسع من النساء إلا أنه لا يمنعه كثرتهن أن يعطي كل واحدة منهن حقها. فالنوم عندهن كان بالسوية، ينام عند هذه ليلة وعند الأخرى ليلة وعند الثالثة والرابعة وهكذا بقية نسائه عليه الصلاة والسلام، فهو لا يُغّلِبَ إحداهن على الأخريات، وإنما بالسوية إلا من تنازلت عن حقها كما تنازلت زينب بليلتها لعائشة رضي الله عنهن أجمعين. وكان عليه الصلاة والسلام يصحب زوجاته في السفر، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدء بالتحية والسلام، ثم يسأل عن حال زوجه ويتفقدها ويستشيرها في أموره، كما أنه صلى الله عليه وسلم كان حريصا على مشاعر زوجه من حيث إدخال الفرحة إلى قلبها ومواساتها في حزنها، كما كان حريصا على أن يقول لزوجه ما تحب أن تسمع من حسن القول، وكان يسألها عن حوائجها فيقضيها إكراما واحتراما لها. لقد اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم إستراتيجية الصبر والحلم والملاطفة لمواجهة المشكلات التي قد تعيق التوافق الزواجي في بيته صلى الله عليه وسلم من الغيرة والنزاعات الطارئة والصدود والهجر والمراجعة في الحديث. * هديه صلى الله عليه وسلم في المراجعة في الكلام والهجر في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، اللتين قال الله تعالى: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) (سورة التحريم:4)، حتى حج وحججت معه، وعدل وعدلت معه بإداوة، فتبرز، ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ، فقلت له: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)؟ قال: واعجبا لك يا ابن عباس، هما عائشة وحفصة. ثم استقبل عمر الحديث يسوقه، قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد، وهم من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم، فينزل يوما، وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك، وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصخبت على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، قالت: ولم تنكر أن أراجعك، فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل؟ فأفزعني ذلك، وقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهن. ثم جمعت علي ثيابي فنزلت، فدخلت على حفصة، فقلت لها: أي حفصة، أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم. فقلت: قد خبت وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فتهلكي، لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم. يريد عائشة، قال عمر: وكنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لغزونا، فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته، فرجع إلينا عشاء، فضرب بابي ضربا شديدا، وقال: أثم هو؟ ففزعت، فخرجت إليه، فقال: قد حدث اليوم أمر عظيم. قلت: ما هو؟ أجاء غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأهول، طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه. وقال عبيد بن حنين: سمع ابن عباس، عن عمر فقال: اعتزل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه – فقلت: خابت حفصة وخسرت، قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون. فجمعت علي ثيابي، فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربة له، فاعتزل فيها، ودخلت على حفصة، فإذا هي تبكي، فقلت: ما يبكيك، ألم أكن حذرتك هذا، أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري، ها هو ذا معتزل في المشربة. فخرجت، فجئت إلى المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلا، ثم غلبني ما أجد، فجئت المشربة التي فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل الغلام فكلم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع فقال: كلمت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرتك له، فصمت. فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد، فجئت، فقلت للغلام: استأذن لعمر. فدخل، ثم رجع فقال: قد ذكرتك له فصمت. فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد، فجئت الغلام، فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثم رجع إلي فقال: قد ذكرتك له فصمت. فلما وليت منصرفا، قال: إذا الغلام يدعوني فقال: قد أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم. فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمال بجنبه، متكئا على وسادة من أدم، حشوها ليف، فسلمت عليه، ثم قلت وأنا قائم: يا رسول الله، أطلقت نساءك؟ فرفع إلي بصره فقال: (لَا). فقلت: الله أكبر. ثم قلت وأنا قائم أستأنس: يا رسول الله، لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قلت: يا رسول الله، لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها: لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم – يريد عائشة – فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم تبسمة أخرى، فجلست حين رأيته تبسم، فرفعت بصري في بيته، فوالله ما رأيت في بيته شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة، فقلت: يا رسول الله، ادع الله فليوسع على أمتك؛ فإن فارس والروم قد وسع عليهم، وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله. فجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وكان متكئا، فقال: (أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). فقلت: يا رسول الله، استغفر لي. فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعا وعشرين ليلة، وكان قال: (مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا). من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله، فلما مضت تسع وعشرون ليلة، دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: يا رسول الله، إنك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا. فقال: (الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ). فكان ذلك الشهر تسعا وعشرين ليلة، قالت عائشة: ثم أنزل الله تعالى آية التخيير، فبدأ بي أول امرأة من نسائه، فاخترته، ثم خير نساءه كلهن، فقلن مثل ما قالت عائشة. وهنا انظر كيف انزعج عمر بن الخطاب من مراجعة بسيطة راجعته بها زوجته، والنبي صلى الله عليه وسلم يقبل مراجعة نسائه، بل ويتحمل غضبهن عليه، حتى يهجرنه في الكلام، وهو النبي الكريم والإمام العظيم، وما ذلك إلا لعظيم حلمه وبالغ صبره صلى الله عليه وسلم. * هديه صلى الله عليه وسلم في النزاعات الطارئة روى أبو يعلى الموصلي في مسنده بإسناد حسن عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بخزيزة قد طبختها له فقلت لسودة – والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها – كلي، فأبت فقلت: لتأكلن أو لألطخن وجهك، فأبت فوضعت يدي في الخزيرة فطليت وجهها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم : فوضع بيده لها وقال لها: (الطخي وجهها) فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فمر فقال: يا عبد الله، يا عبد الله فظن أنه سيدخل فقال: (قوما فاغسلا وجهكما) فقالت عائشة: فمازلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. * تصرفه صلى الله عليه وسلم في غيرة النساء روى النسائي فى سننه في كتاب عشرة النساء بإسناد صحيح عن أبي المتوكل، عن أم سلمة أنها – يعني – أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر، ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة، ويقول: (كُلُوا، غَارَتْ أُمُّكُمْ)، مرتين، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة، فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة عائشة. فانظر إلى مبلغ حلمه صلى الله عليه وسلم على أزواجه، حيث تظل إحداهن هاجرة له اليوم كله حتى تهجر اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم وتستطيل إحداهن بين يديه على ما يخالف الواجب في حقه عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك فهو يتغاضى عن ذلك ويحلم ويصبر ويصفح، وهو القادر على أن يفارقهن، فيبدله ربه خيرا منهن مسلمات مؤمنات قانتات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا كما وعده ربه سبحانه وتعالى إن هو طلقهن، ولكنه كان رؤوفا رحيما، يعفو ويصفح ولا يزيده كثرة الجهل عليه إلا حلما. # النبي القدوة في اظهار حبه لزوجاته # روى مسلم عن عائشة قالت: ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة، وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة، فيقول: (أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ). قالت: فأغضبته يوما، فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا). (صحيح مسلم:2435) وفي الصحيحين عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: (عَائِشَةُ). قلت: من الرجال؟ قال: (أَبُوهَا). (صحيح مسلم:2384) كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يترك لزوجاته فرصة في اللعب والترفيه روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك – أو خيبر – وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة؛ لعب، فقال: (مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟). قالت: بناتي. ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: (مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ؟). قالت: فرس. قال: (وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟). قالت: جناحان. قال: (فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟). قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه. ومن صور الترفيه: رقته الشديدة مع زوجاته أنه يشفق عليهن حتى من إسراع الحادي في قيادة الإبل اللائي يركبنها. في الصحيحين عن أنس بن مالك، قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم حادٍ، يقال له: أنجشة، وكان حسن الصوت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ، لَا تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ). قال قتادة: يعني ضعفة النساء. وروى أحمد في مسنده و الدارمي في سننه بإسناد صحيح عن أنس، قال: كان رجل يسوق بأمهات المؤمنين يقال له: أنجشة، فاشتد في السياقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ). روى الترمذي في سننه بإسناد صحيح قال: حدثنا زيد بن حباب، عن خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت، قال: أخبرنا يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا، فسمعنا لغطا وصوت صبيان، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حبشية تزفن والصبيان حولها، فقال: (يَا عَائِشَةُ، تَعَالَيْ، فَانْظُرِي). فجئت، فوضعت لحيي على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: (أَمَا شَبِعْتِ، أَمَا شَبِعْتِ). قالت: فجعلت أقول: لا، لأنظر منزلتي عنده إذ طلع عمر قالت: فارفض الناس عنها، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ). قالت: فرجعت. # النبي القدوة في التجمل للزوجة والتطيب لها روى مسلم في صحيحه عن عائشة قالت: كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال الإسماعيلي: إن الوبيص زيادة على البريق وإن المراد به التلألؤ. وعند مسلم أن شريحا سأل عائشة فقال: بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك. والسواك يستخدم تطييبا وتطهيرا. فهو لا يريد أن تشم منه أزواجه رائحة أكلة أكلها صلى الله عليه وسلم ما أطيبه حياً وميتاً، لم يكن عليه الصلاة والسلام بحاجة لذلك فهو طيب الريح، بأبي هو وأمي ولكنه قدوة للناس، يهتم بكل صغيرة وكبيرة في الحياة الزوجية لأن هذه الأمور لها أثرها الكبير في الحياة بين الزوجين سلباً وإيجاباً. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ؛ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ). معناه اقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن. قوله: (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) قيل: فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها، وفي استعمال أعوج استعمال لأفعل في العيوب وهو شاذ، وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها، أو الإشارة إلى أنها لا تقبل التقويم كما أن الضلع لا يقبله. قوله: (فإن ذهبت تقيمه كسرته) قيل: هو ضرب مثل للطلاق أي إن أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى فراقها، ويؤيده قوله في رواية الأعرج عن أبي هريرة عند مسلم: (وإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا). (صحيح مسلم:1468) ألا فليفهم الأزواج وليقبلوا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في النساء.
  12. مع هلال السنة الهجرية، يتذكر المسلمون ذلكم الزلزال العظيم، الذي قلب وجه العالم، وغير مجرى التاريخ، وحول الحياة من حياة الصد والعناد، والكيد للإسلام وأهله، إلى حياة جديدة حيث فسحة الانطلاق ببشائر الإسلام، وتكسير القيود التي كانت تحول دون ذلك، لذلك موضوع لقاءنا اليوم هو خطبة عن الهجرة النبوية وأسبابها ومراحلها وأحداثها وطريقها والدروس المستفادة منها. # خيار الهجرة # الهجرة النبوية، لم تكن بدعا بل كانت سنة في معظم أنبياء الله تعالى، قال تعالى في حق إبراهيم عليه السلام: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ). (سورة الأنبياء:71) وقال تعالى في حق لوط عليه السلام: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ). (سورة النمل: 56) وقال تعالى في حق شعيب عليه السلام: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا). (سورة الأعراف: 88) قال محمد عفيفي الباجوري المعروف بالخضري: (١٣٤٥هجرية) في كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين: “ﻭﺑﻬﺬﻩ اﻟﻬﺠﺮﺓ ﺗﻤﺖ ﻟﺮﺳﻮﻟﻨﺎ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺳﻨﺔ ﺇﺧﻮاﻧﻪ ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻪ، ﻓﻤﺎ ﻣﻦ ﻧﺒﻲ ﻣﻨﻬﻢ ﺇﻻ ﻧﺒﺖ ﺑﻪ ﺑﻼﺩ ﻧﺸﺄﺗﻪ، ﻓﻬﺎﺟﺮ ﻋﻨﻬﺎ، ﻣﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺃﺑﻲ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﺧﻠﻴﻞ اﻟﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﻴﺴﻰ ﻛﻠﻤﺔ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﻭﺣﻪ ﻛﻠﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﻈﻴﻢ ﺩﺭﺟﺎﺗﻬﻢ ﻭﺭﻓﻌﺔ ﻣﻘﺎﻣﻬﻢ ﺃﻫﻴﻨﻮا ﻣﻦ ﻋﺸﺎﺋﺮﻫﻢ، ﻓﺼﺒﺮﻭا ﻟﻴﻜﻮﻧﻮا ﻣﺜﺎﻻ ﻟﻤﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﻣﻦ ﻣﺘﺒﻌﻴﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﺜﺒﺎﺕ ﻭاﻟﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻜﺎﺭﻩ ﻣﺎ ﺩاﻡ ﻓﻲ ﻃﺎﻋﺔ اﻟﻠﻪ”. ﻓﺴﻞ ﻣﺼﺮ ﻭﺗﺎﺭﻳﺨﻬﺎ ﺗﻨﺒﺌﻚ ﻋﻦ اﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻭﺑﻨﻴﻪ ﺃﻧﻬﻢ ﻫﺎﺟﺮﻭا ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺭﺃﻭا ﻣﻦ ﺑﻨﻴﻬﺎ ﺗﺮﺣﻴﺒﺎ ﺑﻬﻢ، ﻭﺗﺮﻛﻬﻢ ﻭﻣﺎ ﻳﻌﺒﺪﻭﻥ ﺇﻛﺮاﻣﺎ ﻟﻴﻮﺳﻒ ﻭﺣﻜﻤﺘﻪ، ﻭﻟﻤﺎ ﻣﻀﺖ ﺳﻨﻮﻥ، ﻧﺴﻲ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮﻥ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﻳﻮﺳﻒ ﻭﻓﻀﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ، اضطهدوا ﺑﻨﻲ اﺳﺮاﺋﻴﻞ ﻭآﺫﻭﻫﻢ، ﺧﺮﺝ ﺑﻬﻢ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﻫﺎﺭﻭﻥ ﻟﻴﺘﻤﻜﻨﻮا ﻣﻦ ﺇﻋﻄﺎء اﻟﻠﻪ ﺣﻘﻪ ﻓﻲ ﻋﺒﺎﺩﺗﻪ. ﻭﻫﺮﺏ اﻟﻤﺴﻴﺢ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ ﻣﻦ اﻟﻴﻬﻮﺩ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻛﺬﺑﻮﻩ، ﻓﺄﺭاﺩﻭا اﻟﻔﺘﻚ ﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺿﻤﻦ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ ﻟﺘﻼﻣﻴﺬﻩ: (ﻃﻮﺑﻰ ﻟﻠﻤﻄﺮﻭﺩﻳﻦ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ اﻟﺒﺮ ﻷﻥ ﻟﻬﻢ ﻣﻠﻜﻮﺕ اﻟﺴﻤﻮاﺕ) ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺪ: (اﻓﺮﺣﻮا ﻭﺗﻬﻠﻠﻮا ﻷﻥ ﺃﺟﺮﻛﻢ ﻋﻈﻴﻢ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﻮاﺕ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻃﺮﺩﻭا اﻷﻧﺒﻴﺎء اﻟﺬﻳﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ). ﻭﺳﻞ اﻟﻘﺮﻯ اﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ ﺑﻬﺎ ﻧﻘﻤﺔ اﻟﻠﻪ ﺑﻜﻔﺮ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻛﺪﻳﺎﺭ ﻟﻮﻁ ﻭﻋﺎﺩ ﻭﺛﻤﻮﺩ ﺗﻨﺒﺌﻚ ﻋﻦ ﻣﻬﺎﺟﺮﺓ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻣﻨﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺣﻠﻮﻝ اﻟﻨﻘﻤﺔ، ﻓﻼ ﻏﺮاﺑﺔ ﺃنه ﻫﺎﺟﺮ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ ﻣﻦ ﺑﻼﺩ ﻣﻨﻌﻪ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺘﻤﻴﻢ ﻣﺎ ﺃﺭاﺩﻩ اﻟﻠﻪ: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا). (سورة الأحزاب:62) # أسباب الهجرة النبوية # في صحيح البخاري من قول ورقة بن نوفل ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟ ” قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. لقد عانى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذى قريش الشيء الكثير، ورأى أن أرض مكة – بعد مرور ثلاث عشرة سنة – لم تؤت ثمارها المرجوة، بعدما رفضَتْ خَمْسَ عشرةَ قبيلةً دعوتَه، بل أُقفلت في وجهه الأبواب، وعاش الاضطهاد والنَّكال، وقُذِف بالحجارة، وأُهين هو وأصحابُه. وتنامت عداوة قريش له، حتى إنهم دبروا المكائد والمؤامرات للقضاء عليه وعلى دعوته، قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ). (سورة الأنفال: 30) روى أحمد في مسنده بإسناد صحيح قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: “مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفى المواسم بمنى يقول: (مَن يُؤْوِيني، مَن يَنصُرُني حتَّى أُبَلِّغَ رسالةَ ربِّي ولهُ الجنَّةُ؟)، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر، فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك. ويمشى بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع”. (الصحيح المسند:222) وفي رواية عند ابن ماجة: “فأخذ يَعْرض نفسه على الناس في الموسم ويقول: (ألا رجُلٌ يحمِلُني إلى قومِهِ فإنَّ قُريشًا قد منعوني أن أبلِّغَ كلامَ ربِّي)”. (صحيح ابن ماجه:167) آنذاك قرر النبي صلى الله عليه وسلم وهو المسدد بالوحي – أن يتحول إلى المدينة، وخطط لهذا الأمر تخطيطا محكما، تحرسه عناية الله تعالى وجميل تدبيره، ودار هذا التخطيط على اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب وحسن توظيف الطاقات. # مراحل الهجرة النبوية # الهجرة إلى المدينة حدث فاصل ليس في التاريخ الإسلامي فحسب، وإنما في التاريخ الإنساني أجمع، لذلك ينبغي لأعظم الأحداث أن لا يكون عشوائيا بل لا بد أن يسبقه تمهيدٌ، وإعدادٌ، وتخطيط من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بتقدير الله تعالى، وتدبيره، وكان الإعداد في اتِّجاهين: إعداد للمهاجرين.وإعداد لمكان الهجَرِة. أولاً: الإعداد للمهاجرين لم تكن الهجرة نزهةً، أو رحلةً يروِّح فيها الإنسان عن نفسه؛ ولكنَّها مغادرةُ الأرض، والأهل، ووشائج القربى، وصلات الصَّداقة والمودَّة، وأسباب الرِّزق، والتَّخلِّي عن كلِّ ذلك من أجل العقيدة، ولهذا احتاجت إلى جهدٍ كبيرٍ، حتَّى وصل المهاجرون إلى قناعةٍ كاملةٍ بهذه الهجرة. ومن تلك الوسائل: التَّربية الإيمانيَّة العميقة: الاضطهاد الَّذي طال المؤمنين، حتَّى وصلوا إلى قناعةٍ كاملةٍ بعدم إمكانية المعايشة مع الكفر. تناول القرآن المكِّيِّ التَّنويه بالهجرة، ولفت النَّظر إلى أنَّ أرض الله واسعةٌ، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ). (سورة الزمر:10) ثمَّ تلا ذلك نزولُ سورة الكهف، والَّتي تحدَّثت عن الفتية الذين آمنوا بربهم، وعن هجرتهم من بلدهم إلى الكهف، وهكذا استقرَّت صورةٌ من صور الإيمان في نفوس الصَّحابة، وهي ترك الأهل، والوطن من أجل العقيدة. ثم تلا ذلك آيات صريحةٌ تتحدَّث عن الهجرة في سورة النَّحل، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)). وفي أواخر السُّورة يؤكِّد المعنى مرَّةً أخرى بقوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ). (سورة النحل:110) وكانت الهجرة إلى الحبشة تدريباً عمليّاً على ترك الأهل، والوطن. ثانيا: الإعداد لمكان الهجرة نلاحظ: أنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، لم يسارع بالانتقال إلى الأنصار من الأيام الأولى؛ وإنَّما أخَّر ذلك لأكثر من عامين؛ حتَّى تأكَّد من وجود القاعدة الواسعة نسبيّاً، كما كان في الوقت نفسه يتمُّ إعدادها في أجواء القرآن الكريم، وخاصَّةً بعد انتقال مصعب رضي الله عنه إلى المدينة. وقد تأكَّد: أنَّ الاستعداد لدى الأنصار قد بلغ كماله، وذلك بطلبهم هجرة الرَّسول الكريم صلى الله عليه وسلم إليهم، كما كانت المناقشات الَّتي جرت في بيعة العقبة الثَّانية، تؤكِّد الحرص الشَّديد من الأنصار على تأكيد البيعة، والاستيثاق للنَّبي صلى الله عليه وسلم بأقوى المواثيق على أنفسهم، وكان في رغبتهم أن يميلوا على أهل مِنًى ممَّن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسيافهم؛ لو أذن الرَّسول الكريم بذلك، ولكنَّه قال لهم: (لم نؤمر بذلك). وهكذا تمَّ الإعداد لأهل يثرب؛ ليكونوا قادرين على استقبال المهاجرين، وما يترتَّب على ذلك من تَبِعَات. تأمُّلاتٍ في بعض آيات سورة العنكبوت تعتبر سورة العنكبوت من أواخر ما نزل في المرحلة المكِّيَّة، وتحدَّثت السُّورة عن سنَّة الله في أهل الدعوة، وهي سنُّة الابتلاء. قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)). (سورة العنكبوت) وفي سورة العنكبوت ثلاثةُ أمورٍ تلفت النَّظر، وهي: أولاً: ذِكْرُ كلمة المنافقين ومن المعلوم: أنَّ النِّفاق لا يكون إلا عندما تكون الغلبة للمسلمين؛ حيث يخشى بعضُ النَّاس على مصالحهم، فيظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر، ومن المعلوم: أنَّ المجتمع في مكَّةَ كان جاهليّاً، وكانت القوَّة والغلبة لأهل الشِّرك، فما مناسبة مجيء المنافقين في هذه السُّورة، في قوله تعالى: (وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ) (سورة العنكبوت:11)، وهي سورةٌ مكِّيَّةٌ كما قلنا: فهل كانت الآمال قد قويت عند الفئة المؤمنة بحيث تراءى لهم الفرج، والنَّصر قاب قوسين أو أدنى؟ أم أنَّ هذه الآية مدنيَّةٌ وضعت في سورةٍ مكِّيَّةٍ؛ لأنَّ النِّفاق لم يحِنْ وقتُه بعدُ، كما ذهب إلى ذلك بعض المفسِّرين؟ ثانياً: ورد الأمر بمجادلة أهل الكتاب بالَّتي هي أحسن وكأنَّه تهيئةٌ للنُّفوس للمرحلة القادمة؛ الَّتي سيكون بين المسلمين وبين أهل الكتاب فيها احتكاكٌ، فلا يكونون البادئين بالشدَّة، فيأتي التَّنبيه على هذا الأمر في قوله تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ۚ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47)). (سورة العنكبوت) روى البخاري عن البراء رضي الله عنه قال: “أول من قدم علينا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئاننا القرآن” (صحيح البخاري:4941)، ولذلك كان مصعب يلقب ب “المقرئ”. لقد تضافرت جهود مصعب بن عمير مع جهود أسعد بن زرارة، الذي كان أعرف الناس بأهل المدينة وطبائعهم، فانطلقت الدعوة هناك تطرق الأبواب، وتدخل البيوت، حتى لم يبق بيت إلا وفيه مسلم. ولقد أسلم على يدي مصعب بن عمير سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، سيدا بني عبد الأشهل، حتى إن سعد بن معاذ لما شرح الله صدره للإسلام رجع إلى قومه، فقال لهم: “يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟”. قالوا: “سيدنا، وأفضلنا رأيًا، وأيمننا نقيبة”. قال: “فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله”. فما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلمًا أو مسلمة. وعلى رأس السنة الثالثة عشرة من البعثة النبوية، سيرجع مصعب بن عمير إلى مكة، ومعه ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان، ليبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، وليتهلل وجه رسول الله بهذا الإنجاز البديع وهذا التخطيط الدقيق، الذي جعل من المدينة النبوية أرض الدين والدولة، منها سيشع نور الإسلام على الكون كله. ثالثاً: تهيئة النُّفوس للهجرة في أرض الله الواسعة وربما كانت المدينة قد بدأت تستقبل المهاجرين من المؤمنين بعد بيعة العقبة الأولى، ومهما كان الأمر، وأنَّى كان وقت نزول سورة العنكبوت؛ فإنَّ الإشارة واضحةٌ، والحثَّ على الهجرة – أيضاً – واضحٌ ببيان تكفُّل اللهِ الرِّزق للعباد؛ في أيِّ أرضٍ، وفي أيِّ زمانٍ، قال تعالى: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)). (سورة العنكبوت) هذه الآية الكريمة نزلت في تحريض المؤمنين الَّذين كانوا بمكَّة على الهجرة؛ فأخبرهم الله تعالى بسعة أرضه، وأنَّ البقاء في بقعةٍ على أذى الكفار ليس بصوابٍ؛ بل الصَّواب أن يُتلمَّس عبادةُ الله في أرضه مع صالحي عباده؛ أي: إن كنتم في ضيق من إظهار الإيمان بها، فهاجروا إلى المدينة؛ فإنَّها واسعةٌ لإظهار التَّوحيد بها. ثمَّ أخبرهم تعالى: أنَّ الرِّزق لا يختصُّ ببقعةٍ معيَّنةٍ؛ بل رزقه تعالى عامٌّ لخلقه حيث كانوا، وأين كانوا، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر، وأوسع، وأطيب، فإنَّهم بعد قليل صاروا حكَّام البلاد في سائر الأقطار، والأمصار، ولهذا قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). (سورة العنكبوت:60) كما ذكَّرهم تعالى: أنَّ كلَّ نفسٍ ذائقة مرارة الموت، كما سبق في الآية ٥٧ من السورة. أي: واجدةٌ مرارته، وكربه، كما يجد الذَّائق طعم المذوق، ومعناه: إنَّكم ميِّتون، فواصلون إلى الجزاء، ومن كانت هذه عاقبته؛ لم يكن له بُدٌّ من التزوُّد لها، والاستعداد بجهده، وهذا تشجيعٌ للنَّفس على الهجرة؛ لأنَّ النَّفس إذا تيقَّنت بالموت؛ سهُلَ عليها مفارقةُ وطنها. قال ابن كثير في الآية: أي: أينما كنتم يدرككم الموت، فكونوا في طاعة الله، وحيث أمركم الله؛ فهو خيرٌ لكم، فإنَّ الموت لابدَّ منه، ولا محيد عنه، ثمَّ إلى الله المرجع والمآب، فمن كان مطيعاً له؛ جازاه أفضل الجزاء، ووافاه أتمَّ الثَّواب، ولهذا قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)). (سورة العنكبوت)، أي: صبروا على دينهم، وهاجروا إلى الله، ونابزوا الأعداء، وفارقوا الأهل، والأقرباء؛ ابتغاء وجه الله، ورجاء ما عنده، وتصديق موعوده، ولم يتوكَّلوا في جميع ذلك إلا على الله. وعمدة هذا التخطيط هو اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب وحسن توظيف الطاقات. # تخطيط النبي في الهجرة إلى المدينة # كانت خطة النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة من مكة إلى المدينة شاملة لكل أنواع التخطيط: أولاً: اختيار موعد الخروج من بيته خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيته في أوَّل الليل؛ وذلك لتجنُّب الحصار الذي سيفرضه المشركون حتمًا على البيت. ثانياً: تحديد المكان البديل ستتم الهجرة إلى المدينة عن طريق ساحل البحر الأحمر، وهو طريق وعر غير مألوف لا يعرفه كثير من الناس، وليس هو الطريق المعتاد للذهاب إلى المدينة؛ وذلك حتى يضمنوا الاختفاء عن أعين المشركين. ثالثاً: اختيار هاديا خريتا سيتم استئجار دليل يصحبهم في هذه الرحلة؛ لأن الطريق غير معروف، والضياع في الصحراء أمر خطير، ولا بُدَّ أن يكون هذا الدليل ماهرًا في حرفته، أمينًا على السرِّ، وفي الوقت ذاته لا يشكُّ المشركون في أمره. وقد اتفق الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصديق رضي الله عنه على أن يكون هذا الرجل هو عبد الله بن أريقط، وهو من المشركين، وهذا في منتهى الذكاء؛ فالمشركون لن يشكوا مطلقًا في أمره إذا رأوه سائرًا خارج مكة، وهو في الوقت ذاته رجل أمين يكتم السرَّ، وهو رجل في النهاية صاحب مصلحة، فقد اسْتُؤجر بالمال، ولا شكَّ أن أجرته كانت مجزية، وفيه الاهتمام بأهل الكفاءة بشقيها لإدارة مرافق البلاد وتيسير شئون العباد. رابعاً: اختيار الرفيق في السفر سيتَّجه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه في أول الهجرة إلى الجنوب في اتجاه اليمن، لمسافة خمسة أميال كاملة، أي حوالي ثمانية كيلو مترات، وهي مسافة كبيرة، مع أن المدينة في شمال مكة وليست في جنوبها؛ ولكن ذلك إمعانًا في التمويه؛ لأن المشركين إذا افتقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا شكَّ أنهم سيطلبونه في اتجاه المدينة وليس في اتجاه اليمن. خامساً: اختيار مكان للتمويه سيتم الذهاب إلى غار ثور في جنوب مكة، وهو غار غير مأهول في جبل شامخ وعر الطريق، صعب المرتقى، وسيبقى الصاحبان في هذا الغار مدَّة ثلاثة أيام كاملة، ولن يتحرَّكا في اتجاه المدينة إلا بعد انقضاء هذه الأيام الثلاثة؛ وذلك حين يفقد أهل قريش الأمل في العثور عليهما، فيكون ذلك أدعى لأمانهما، وسوف يتركان الراحلتين مع الدليل عبد الله بن أريقط، على أن يقابلهما عند الغار بعد الأيام الثلاثة. سادساً: اختيار الخبير في التخابر سيقوم عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما بدور المخابرات الإسلامية في هذه العملية الخطيرة؛ فهو سيذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه كل يوم بأخبار مكة، وتحرُّكات القرشيين، وردود الأفعال لخروج الرسول صلى الله عليه وسلم، وسوف يأتي في أول الليل، وسيبقى مع الرسول صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه طوال الليل ثُمَّ يعود إلى مكة قبل الفجر، ويبيت هناك، ثُمَّ يُظْهِر نفسه للناس، فلا يشكُّ أحدٌ في أنه كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه. سابعاً: التعمية والتمويه سيقوم عامر بن فهيرة رضي الله عنه مولى الصديق رضي الله عنه بدور التغطية الأمنية لهذه العملية؛ وذلك برعي الأغنام فوق آثار أقدام الرسول صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه، ثمَّ فوق آثار أقدام عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما بعد ذلك، حتى يضيع على المشركين فرصة تتبع آثار الأقدام. إتقان دور المخادعة والمخاتلة الحربية، لضمان تحقيق المهمة بغير مفاجآت، كتكليف علي بن أبي طالب بالنوم في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، تمويها على المشركين وتخذيلا لهم، وهذا دور الفتيان الأقوياء. ومن وسائل التعمية والتمويه أن طريق الهجرة بدأ بالنزول إلى الجنوب – اتجاه اليمن – رغم أن المدينة في الشمال! ثم التوجه ناحية الغرب – اتجاه البحر – ثم السير إلى الشمال فيه ملمح من الخروج عن التفكير المنطقي والتفكير بطريق عكسي لأن الأفكار التقليدية عند لحظات المأزومية لا تعطي النتائج المرجوة، فالأمر يحتاج للتفكير خارج الصندوق. ثامناً: اصطحاب الزاد من طعام وغيره بالنسبة إلى طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه في الغار مدة الأيام الثلاثة فسيكون عن طريق أمرين: أما الأول فهو زاد من الطعام أُعِدَّ في بيت الصديق رضي الله عنه قبل الخروج، وقامت بإعداده أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، والنصُّ في ذلك صريح، عن أسماء، قالت: صنعت سفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر، حين أراد أن يهاجر إلى المدينة. قالت: فلم نجد لسفرته، ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: “والله ما أجد شيئا أربط به إلا نطاقي”. قال: فشقيه باثنين، فاربطيه: بواحد السقاء، وبالآخر السفرة. “ففعلت، فلذلك سميت ذات النطاقين”. (صحيح البخاري:2979)، وقد ساعدَتْهَا في ذلك عائشة رضي الله عنها كما جاء في روايتها للحدث؛ حيث قالت عائشة رضي الله عنها: “فَجَهَّزْنَاهُما أحَثَّ الجِهَازِ؛ وضَعْنَا لهما سُفْرَةً في جِرَابٍ” (صحيح البخاري:5807)، فهذا طعام خرج به الصديق رضي الله عنه من بيته. وأما المصدر الثاني للطعام فكان اللبن الذي يأخذانه من غنم عامر بن فهيرة رضي الله عنه، فكما جاء في رواية عائشة رضي الله عنها: “ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل، وهو لبن منحتهما ورضيفهما”، فهذا المصدر كان إلى جانب السفرة التي حملها الصديق رضي الله عنه معه. وأما ما جاء في سيرة بن هشام أن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها كانت تحمل الطعام والماء، وتَتَّجه به كل يوم إلى غار ثور إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأبيها الصديق رضي الله عنه، فهو أمر مُستَبعد، والله أعلم! فالرواية التي ذكرت ذلك بلا سند، حيث قال ابن إسحاق: ” وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما”. هذه هي عناصر الخُطَّة الدقيقة التي اشترك في وضعها وتنفيذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه، وتعاون معهم فيها فريق من المؤمنين، كلهم من بيت الصديق رضي الله عنهم، بالإضافة إلى الدليل المشرك. عَنْ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطئه أحد طرفي النهار”. (الطبري: في تاريخ الرسل والملوك 2/378، وقال محمد بن طاهر البرزنجي: إسناده ضعيف، وهو حديث صحيح. انظر: صحيح تاريخ الطبري، 2/65) # الدروس المستفادة من الهجرة # كانت هجرة آل أبي بكر الصديق ووصولهم المدينة كان في شهر رمضان، وكانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ووصوله إلى غار ثور في نهاية شهر صفر، وهذا يعني أن أسماء كانت في بداية شهور الحمل، والله أعلم. ربيع الأول، ربيع الآخر، جمادى الأولى، جمادى الآخرة، رجب، شعبان، رمضان، وذكرنا كذلك أنها هاجرت إلى المدينة وهي متمٌّ يعني تنتظر الولادة، والله أعلم. تجهيز الوسائل الضرورية قبل الموعد بزمن كاف، لتفادي السرعة والارتباك، الذين قد يحصلا لحظة الهجرة، ولذلك جهزت الراحلة قبل الموعد بأربعة أشهر، وبسرية تامة. وتم إشراك النساء في إنجاح الهجرة بما يناسب دورهن، تقول عائشة رضي الله عنها متحدثة عن نفسها وأختها أسماء: “فجهزناهما (أي: الراحلتان) أحث الجهاز (أسرعه. والجَهاز: ما يحتاج إليه في السفر)، وصنعنا لهما سفرة (الزاد الذي يصنع للمسافر) في جراب (وعاء يحفظ فيه الزاد ونحوه)، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فأوكأت به الجراب، ولذلك كانت تسمى ذات النطاق”. (صحيح البخاري:5807) وتم تخصيص حيز للأطفال لإبراز دورهم في هذا الحدث العظيم، ويمثله دور عبد الله بن أبي بكر، الذي كان يتقصى أخبار قريش، وينقلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وهما في غار ثور. وتبقى أعظم محطة في هذا التخطيط البارع، تهييء التربة الصالحة في المدينة النبوية، لاستقبال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكان لا بد من اختيار عنصر يجمع بين الكفاءة العلمية، والشجاعة النفسية، والجرأة الدعوية، والفطانة التواصلية، بحيث يستطيع أن يدخل الإسلام إلى كل بيت من بيوت المدينة، على أن تتم هذه العملية في غضون سنة. فاختار النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المهمة الجريئة مصعب بن عمير، الذي يعتبر نموذجاً لتربية الإسلام للشباب المترفين المنعمين من أبناء الطبقات الغنية. طلائع المهاجرين لـمَّا بايعتْ طلائعُ الخير، ومواكبُ النُّور من أهل يثرب النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم على الإسلام، والدِّفاع عنه؛ ثارت ثائرة المشركين، فازدادوا إيذاءً للمسلمين، فأذن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى المدينة. وكان المقصود من الهجرة إلى المدينة، إقامة الدَّولة الإسلاميَّة؛ الَّتي تحمل الدَّعوة، وتجاهد في سبيلها؛ حتَّى لا تكون فتنةٌ، ويكون الدِّين كلُّه لله، وكان التَّوجيه إلى المدينة من الله تعالى. روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: لـمَّا صدر السَّبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ طابت نفسه، وقد جعل الله له منعةً، وقوماً أهل حربٍ، وعدَّةٍ، ونجدةٍ، وجعل البلاء يشتدَّ على المسلمين من المشركين؛ لما يعلمون من الخروج، فضيَّقوا على أصحابه، وتعبَّثوا بهم، ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالون من الشَّتم، والأذى، فشكا ذلك أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذنوه في الهجرة، فقال: (قد أُريت دار هجرتكم، أريت سبخةً ذات نخلٍ بين لابتين – وهما الحرَّتان – ولو كانت السَّراة أرض نخلٍ، وسباخٍ؛ لقلت: هي، هي). (ورواه البيهقي في الدلائل (2/459)) ثمَّ مكث أياماً، ثمَّ خرج إلى أصحابه مسروراً فقال: (قد أخبرت بدار هجرتكم، وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها) فجعل القوم يتَّجهون، ويتوافقون، ويتواسون، ويخرجون، ويخفون ذلك. فكان أوَّلَ من قدم المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو سلمة بن عبد الأسد، ثمَّ قدم بعده عامر بن ربيعة، معه امرأته ليلى بنت أبي حَثْمَة، فهي أوَّل ظعينةٍ قدمت المدينة، ثمَّ قدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالاً، فنزلوا على الأنصار في دورهم، فآووهم، ونصروهم، وآسوهم، وكان سالم مولى أبي حُذيفة، يؤمُّ المهاجرين بقباء، قبل أن يقدم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم. فلـمَّا خرج المسلمون في هجرتهم إلى المدينة، كَلِبَتْ قريشٌ عليهم، وحربوا، واغتاظوا على مَنْ خرج من فتيانهم، وكان نفرٌ من الأنصار بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة الآخرة، ثمَّ رجعوا إلى المدينة. فلـمَّا قدم أوَّل مَنْ هاجر إلى قُباء؛ خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكَّة، حتَّى قدموا مع أصحابه في الهجرة، فهم مهاجرون أنصاريُّون، وهم: ذكوان بن عبد قيس، وعقبة بن وهب بن كلدة، والعباس بن عبادة بن نضلة، وزياد بن لبيد، وخرج المسلمون جميعاً إلى المدينة، فلم يبقَ بمكَّة فيهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعليٌّ، أو مفتونٌ، أو مريضٌ، أو ضعيفٌ عن الخروج. أهمية التعاون مع الآخر جاء ذلك في (وثيقة المدينة) مع اليهود تأسيسا لقيم التعاون والتشارك في الحفاظ على الأرض تحت شعار (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) وتعد هذه الوثيقة أول وثيقة إنسانية تؤسس للعمل المشترك رغم الاختلاف وتطلق الحريات بكل أشكالها، وهو ما يعرف الآن بقيم المواطنة. إن ذكرى حادث الهجرة يجب أن تنتقل بنا من المفهوم الضيق للهجرة لمفهوم أوسع وأكبر فننتقل من التخلف للتقدم ومن الجهل للعلم ومن التفرق والتشرذم إلى الاتحاد والتعاون ومن الصدام إلى التعارف. فحادث الهجرة حدث فارق في الإسلام، بدليل أنه أُرخ به لتقويمها، ومدرسة كبرى نتعلم في رحابها كيف تكون إدارة الأزمات وتأسيس المجتمعات، وصناعة القيم، وتأسيس قيم التعايش، والمواطنة واحترام سنن الاختلاف والتنوع، ويبرز في الهجرة أهمية توزيع الأدوار، والأخذ بالأسباب مع صدق التوكل على مسبب الأسباب، ويجب أن يكون إدارة الأزمات بالقيم. من دروس الهجرة، أنها علمتنا حسن الإعداد للعمل والأخذ بالأسباب كي يكون العمل ناجحا وهذا واضحا. وبعد هجرة النبي وأصحابه من مكة إلى يثرب لم يتبق في مكة إلا عدد قليل من المسلمين لم يهاجروا لمرضهم وكبر سنهم، وكان من بين هؤلاء الصحابة الذين حبسهم المرض وكبر السن الصحابي الجليل: ”ضمرة بن جندب” الذي لم يستطع أن يتحمل مشقة السفر وحرارة الصحراء فظل في مكة مرغمًا. ولكنه رضي الله عنه لم يتحمل البقاء بين ظهراني المشركين فقرر أن يتحامل على نفسه ويتجاهل مرضه وسنه، وبالفعل خرج ضمرة بن جندب وتوجه إلى يثرب، وأثناء سيره في الطريق اشتد عليه المرض، فأدرك أنه الموت وأنه لن يستطيع الوصول للنبي وأصحابه فوقف -رحمه الله- وضرب كفا على كف وقال وهو يضرب الكف الأولى: اللهم هذه بيعتي لك، ثم قال وهو يضرب الثانية: وهذه بيعتي لنبيك ثم سقط ميتا. فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بما حدث لضمرة ثم نزل قول الله تعالى: (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (سورة النساء:100)، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأخبرهم بشأن ضمرة وقال حديثه الشهير: (إنما الأعمال بالنيات)، فحاز ضمرة شرفا لم يحزه غيره بأن نزل فيه قرآنا وسنة. لذلك العمل مع الله لا يشترط فيه أن تصل للهدف ولكن يكفيك أن تموت وأنت تعمل وتسير في الطريق إليه مادامت نيتك لله عز وجل.
  13. خطبة عن فضل العشر من ذي الحجة من خطب الجمعة للشيخ محمد نبيه يبين فيها فضل العشر الأوائل من ذي الحجة وما هي أفضل الأعمال الصالحة في هذه الأيام. # الخطبة الأولى # إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). (سورة آل عمران:102) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً غڑ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ غڑ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). (سورة النساء:1) أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ غ– وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ). (سورة الأنعام:134) # طريق السعادة # عباد الله، تأتي الأيام مسرعة وتمضي مسرعة، وفي النهاية لقاء الله تبارك وتعالى. دنيانا التي نتكالب عليها قصيرة الأمد، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: (ما لي وللدُّنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظَلَّ تحتَ شجرةٍ، ثم راح وتركَها). (صحيح الترغيب 3282) إذا ضرب الإنسان منا تعب أو رهق ينزل للقيلولة، فكم يقيل؟ يقيل ساعة، هكذا عمر الدنيا التي يتكالب عليها الخلق. والإنسان السعيد هو الذي ينتهز الفرص، ينتهز فرصة وجوده في الحياة القصيرة ليسعد في حياة لا نهاية لها. قال الله تعالى: (وَمَا هَظ°ذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ غڑ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ غڑ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). (سورة العنكبوت:64) ومن السعادة أن ترزق الفهم الصحيح، لأن الفهم الصحيح إرادة خير من رب العالمين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ). (صحيح البخاري 71) فإرادة الخير سعادة، ومن ثم الفهم الصحيح طريق السعادة. ومن الفهم الصحيح أن تعلم أن هذا اليوم أشرف أيام الدنيا. وقد ورد في السنة النبوية عن أوس بن أبي أوس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ من أفضلِ أيَّامِكُم يومَ الجمعةِ فيهِ خُلِقَ آدمُ وفيهِ قُبِضَ وفيهِ النَّفخةُ وفيهِ الصَّعقةُ فأكْثِروا عليَّ منَ الصَّلاةِ فيهِ فإنَّ صلاتَكُم معروضةٌ عليَّ). قالَ: قالوا يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ وقد أرِمتَ – يقولونَ بليتَ – فقالَ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ حرَّمَ علَى الأرضِ أجسادَ الأنبياءِ). (صحيح أبي داود 1047) وهذا اليوم يوم الجمعة زاد في الفضل لأنه في شهر حرام. كذلك زاد في الفضل لأنه أول الأيام العشر من ذي الحجة التي أقسم الله بها في كتابه. قال تعالى في سورة الفجر: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَظ°لِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5)). فهذا اليوم أول أيام شهر ذي الحجة نسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياكم في نسك قريب. وأن يختم لنا جميعاً بخير إنه ولي ذلك والقادر عليه. # فضل العشر من ذي الحجة # العشر الأوائل من ذي الحجة أفضل أيام الدنيا كما أخبر النبي عليه الصلاة وأزكى السلام. يمتاز رمضان في فضل لياليه، ويمتاز شهر ذي الحجة في فضل نهاره وأيامه. وهذه الأيام العشر قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ مِن هذه الأيَّامِ العَشْرِ) قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ قال: (ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجلٌ خرَج بنفسِه ومالِه ثمَّ لم يرجِعْ مِن ذلك بشيءٍ). (صحيح ابن حبان 324) # أعمال العشر من ذي الحجة # الأعمال الصالحة في هذه العشر كثيرة مثل الصيام والصلاة والصدقات وسائر الصالحات، وما توفق إليه هو أفضل عمل. إن كنت موفقاً للصيام فصم، وإن وفقت للصدقات فتصدق، وإن وفقت لقول الخير فانطق به. ما توفق إليه من صالحات هو أفضل الأعمال فاشتغل فيه وأتقنه. لذلك قال تعالى: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ غڑ وَمَن يَفْعَلْ ذَظ°لِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا). (سورة النساء:114) ## الصلاة ## إذا وفقت للصلاة فصلي ما استطعت إلى الصلاة سبيلا. وفي الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلاةُ خيرٌ موضوعٍ، فمَنِ استطاعَ أنْ يَسْتكْثِرَ فلْيستكْثِرْ). (الجامع الصغير 5163) عندك في طول النهار وعرضه ركعات مؤكدات قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً في يَومٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ له بِهِنَّ بَيْتٌ في الجَنَّةِ). (صحيح مسلم 728) ركعتان قبل الفجر، وأربع ركعات قبل الظهر وركعتان بعده، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء. من داوم على هذه الركعات في اليوم الواحد يبنى له بها بيت في الجنة. كذلك عندك في أول النهار ركعتي الشروق ورد فيها عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى الفجرَ في جماعةٍ ثم قعدَ يذكُرُ اللهَ حتى تطلُعُ الشمسُ ثم صلى ركعتين كانت له كأجرِ حَجَّةٍ وعمرةٍ). قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ). (صحيح الترمذي 586) وعندك أربع ركعات كذلك في أول النهار كان يصليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيها: (قال اللهُ تعالى: يابنَ آدمَ! لا تعجِزْ عنْ أربعِ ركعاتٍ في أولِ النهارِ، أكفِكَ آخرَهُ). (صحيح الجامع 4342) يعني من ركع في أول النهار أربع ركعات كفاه الله تعالى شر يومه. كذلك هناك أربع ركعات قبل العصر قال فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من صلَّى قبلَ العصرِ أربعَ ركعاتٍ غفرَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ لهُ مغفرةً عَزَمًا). (عمدة القاري 7/341) أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه. فأربع ركعات قبل العصر سبيل إلى رحمة الله، وعندك صل ما شئت بليلك، إن وفقت إلى الصلاة فهي خير عمل. ## الصدقات ## ومن وفق إلى الصدقات فهي خير عمل، وما أحوجنا إلى الصدقات في هذه الأيام، حيث الستر على المسلمين، حيث كفاية المعوزين والمحتاجين، حيث تفريج الكرب وفك الأسر والخلاص. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن ستَر أخاه المسلمَ ستَره اللهُ في الدُّنيا والآخرةِ ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ عنه كُربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه). (صحيح ابن حبان 534) هناك بيوت كثيرة تحتاج إلى ثياب للعيد، هناك بيوت كثيرة تحتاج إلى كفايتها. فإن وفقت في الصدقات فأتقنها واشتغل، واعلم أن شيئاً عند الله لن يضيع (وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (سورة محمد:35)، (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ). (سورة النحل:96) السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كانت إذا أتاها الفقير وضعت الصدقة في يدها وقالت له: خذها. لماذا كل هذا؟ حتى تكون يد الفقير هي العليا، وفي هذا إعزاز للفقير. لكننا عكسنا الأحوال، إن أعطينا الفقير نعطيه لنذله، وفي القريب العاجل نمن عليه بما أعطيناه. والمن بالصدقة يبطلها، كما قال الله في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى). (سورة البقرة:264) فأي من بالصدقة، أي من بموقف من المواقف يحبط أجره ويعيد صاحبه صفراً. لذلك من وفق إلى الصدقات فليتصدق وليعلم أن شيئاً عند الله لن يضيع على صاحبه أبداً. بل إن الله تعالى ينمي الصدقة لصاحبها، يكبرها حتى تكون يوم يوافيه كجبل أحد في ميزان صاحبها. ## قول الخير ## ومن وفق إلى قول المعروف والخير فليصدح به، فقول المعروف من الصدقات. ورد في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ) قالوا: فإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (فَيَعْمَلُ بيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ). قالوا: فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (فيُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ). قالوا: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (فَيَأْمُرُ بالخَيْرِ أوْ قالَ: بالمَعروفِ). قالوا: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم: (فيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فإنَّه له صَدَقَةٌ). (صحيح البخاري 6022) إذا وفقت إلى قول الخير فاصدح به، وإذا لم توفق إلى قول الخير فلا تقل الشر ولا تركن إلى أهله. واعلم باركك الله أن بيوتاً كثيرة معرضة للخراب، لماذا؟ لغشم في التعامل، لغشم في العشرة، لغشم في التصرف. هناك نساء كثر غضبى إن كانت في بيت أبيها أو إن كانت في بيت أخيها أو إن أخذت مكاناً واستقلت به. لا تريد أن تعامل البشر، من ماذا؟ لخديعة وقعت فيها في الزواج، خدعها بطيب حاله بحسن مظهره فلما أضيفت إليه كزوجة رأت حقيقة أمره. فعلمت أنها وقعت في خداع، غضبت أعادها أبوها، غضبت أعادها أبوها. سئمت من الحال بين أبيها وزوجها تركت الدنيا ومشت في شوارع الناس تدور على البيوت، لماذا؟ لإذلال وقهر وقعت فيه. ما هذا؟ ## الإصلاح بين الناس ## لذلك الله تعالى ما غفل الحال أبداً ولذا أوصى بالإصلاح بين الناس. الإصلاح بين الناس ما أحوجنا إليه، بيوت معطلة، أطفال مشردة، من ماذا؟ من سوء العشرة في البيوت. لذلك من كانت امرأته غضبى فليسعى في اصلاحها، ومن كانت ابنته غضبى فليسعى في ارجاعها. هكذا ما ينبغي أن يكون قبل مجيء العيد. وإلا كيف يكون العيد عيداً!؟ كيف يكون العيد عيداً وحالنا هكذا؟ الجار مع الجار، الزوج مع الزوجة، بيوت تهتكت وخربت بأسباب حقيرة. من لا شيء تصنع أزمة، من لا شيء يغضب الإنسان، من لا شيء والعياذ بالله يكفر الإنسان. لذلك أول يوم من أيام ذي الحجة ما ينبغي أن نتركه هكذا. بل العاقل من ينتهز الفرص حتى إذا وافته المنية وافته وهو على خير. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا عَسَلَهُ)، قِيلَ: وما عَسَلَهُ؟ قال: (يَفتحُ لهُ عملًا صالِحًا قبلَ مَوتِه، ثمَّ يَقبِضُهُ عليهِ). (صحيح الجامع 307) فاللهم كما حسنت خلقنا فحسن أخلاقنا، هذا وإني أستغفر الله العظيم لي ولكم. # الخطبة الثانية # الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين. والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد النبيين وخاتم المرسلين ورحمة الله للعالمين. لما عرج بالنبي إلى السماوات، رأى آدم عليه السلام وعن يمينه أسودة وعن يساره أسودة. والأسودة هي الجماعة من الناس. وكان آدم عليه السلام كلما نظر عن يمينه سُر، وكلما نظر عن يساره اغتم. فعجب النبي صلى الله عليه وسلم من هذا، فسأل جبريل عليه السلام: ما هذا يا جبريل؟ قال جبريل عليه السلام: هذا أبوك آدم، والذين عن يمينه هم من قسم الله لهم بالجنة من ذريته نسأل الله تعالى أن نكون منهم. وأما الذين عن يساره فهم من قسم الله لهم بالنار من ذريته نعوذ بالله أن نكون منهم. فكان آدم عليه السلام كلما نظر إلى ولده الصالح الذي قسم له بالجنة يفرح ويسر. هكذا فكن، افرح لصلاح ولدك واحزن لفساده. إذا كان الولد صالحاً وسبقني إلى ربي، سبق جزء مني إلى الرضا والرحمة. وإذا ما سبقته أنا تركت أثراً صالحاً يُدعى إلي به، ويستغفر إلي به. لذلك يقول الشاعر: رَأَيــتُ صَــلاحَ المَــرءِ يُــصــلِحُ أَهــلَهُ وَيُــعــديـهِـمُ داءُ الفَـسـادِ إِذا فَـسَـد يُــعَــظَّم فـي الدُنـيـا بِـفَـضـلِ صَـلاحِهِ وَيُحفَظُ بَعدَ المَوتِ في الأَهلِ وَالوَلَد فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن العشر عشر فاضلة، بل هي أفضل أيام الدنيا. فالسعيد من استغلها في طاعة مولاه، والشقي من أعرض فيها عن طاعة الله. ## رعاية وتأديب الأولاد ## واعلموا اخوتي الكرام أن من الأعمال الصالحة مباشرة الأولاد بالرعاية والتأديب. تكثر المصائب والحوادث في مثل هذه الأيام، في أيام الأعياد عموماً تكثر البلايا والحوادث، من ماذا؟ من الغلو في الفرح، يفرح ولكن في غلو، الشباب الناشئة ضُيع منهم كثير. ترى وتشاهد الحركات الغلمانية الصبيانية على الطرق، خاصة في أيام الأعياد. افرح ما يمنعك أحد أن تفرح، لكن افرح بلا تفزيع الناس، لا تؤذي مشاعر الناس، لا تحدث الصخب فتفرح أنت ويحزن غيرك. افرح ولكن باعتدال، لا تفزع الآخرين، ولا تشوش على الآخرين، لا تبكي أمك، لا تبكي أباك، لا تبكي أخاك، هكذا فافهم. ## صيام العشر من ذي الحجة ## ثم اعلم باركك الله أن من صالح الأعمال أن تصوم من هذه الأيام. لو صومتها كلها ما خالفت، لو صومت منها الإثنين والخميس ما خالفت، لو صومت منها عرفة فقط ما خالفت. لكن لا تصم باتفاق أيام العيد، لا تصم يوم الأضحى ولا أيام التشريق. مشاهدة الخطبة على اليوتيوب
  14. خطبة عن الإسراء والمعراج من خطب الجمعة لفضيلة الشيخ محمد نبيه يوضح فيها ما معنى الإسراء والمعراج وسبب الحادثة وماذا رأى الرسول في رحلة الإسراء والمعراج. الإيمان بالإسراء والمعراج واجب على كل مسلم ومسلمة على النحو الذي جاءت به الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة الصحيحة، ولا يقال كيف ذلك؟ ولا لم ذلك؟ قال الإمام الطحاوي رحمه الله: والمعراج حق وقد أسري بالنبي ﷺ وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء، ثم إلى حيث شاء الله من العلا، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى. الإسراء والمعراج بالروح والجسد: أجمع جمهور العلماء – سلفا وخلفا – على أن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة، وأنهما كانا في اليقظة بجسده وروحه صلى الله عليه وسلم. وهذا هو الذي يدل عليه قوله تعالى في مفتتح سورة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ) (سورة الإسراء:1)، إذ ليس ذلك إلا الروح والجسد. قال الطبري: ولا معنى لقول من قال: أسري بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلاً على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكراً عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل. وقال ابن حجر: إن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسده وروحه، وإلى هذا ذهب جمهور من علماء الحديث والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك، إذ ليس في العقل ما يحيله، حتى يحتاج إلى تأويل. # ما معنى الإسراء والمعراج # معنى الإسراء هو إذهاب الله نبيه ﷺ من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بإيلياء مدينة القدس في جزء من الليل، ثم رجوعه من ليلته. أما معنى المعراج هو إصعاده ﷺ من بيت المقدس إلى السموات السبع، وما فوق السبع، حيث فرضت الصلوات الخمس، ثم رجوعه إلى بيت المقدس في جزء من الليل. والإسراء ثابت بالقرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة المتكاثرة. أما القرآن ففي قوله سبحانه: (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). (سورة الإسراء:1) وأما المعراج فهو ثابت بالأحاديث الصحيحة التي رواها الثقات العدول، وتلقتها الأمة بالقبول، واتفق البخاري ومسلم على تخريجها في صحيحيهما وقد خرجها غيرهما من أصحاب كتب الحديث المعتمدة، وكتب السير المشهورة، وكتب التفاسير المأثورة. ويرى بعض العلماء أن المعراج وإن لم يثبت بالقران الكريم صراحة، لكنه أشير إليه في سورة النجم في قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ (18)). قال ابن كثير: وقد رأى النبي ﷺ جبريل عليه السلام على صورته التي خلقه الله عليها مرتين: الأولى: عقب فترة الوحي، والنبي ﷺ نازل من غار حراء، فرآه على صورته فاقترب منه، وأوحى إليه عن الله عز وجل ما أوحى، وإليه أشار الله بقوله: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10)). (سورة النجم) والثانية: ليلة الإسراء والمعراج عند سدرة المنتهى، وهي المشار إليها في هذه السورة ” النجم ” بقوله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14)). # ما سبب الإسراء والمعراج # حدثت رحلتي الإسراء والمعراج كتسرية لفؤاده المحزون بسبب ما عانى رسول الله ﷺ فقد عانى ألواناً كثيرةً من المحن التي لاقاها من قريش، خاصة بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته الوفية خديجة رضي الله عنها. وكان آخر هذه المعاناة عند عودته من الطائف مهموم النفس لما ناله من الأذى من أهل الطائف، وفي هذه الغمرة من المآسي والأحزان، وصدود القوم عن الإيمان، ومحاربة الدعوة الإسلامية بكل الوسائل والطرق. كان من رحمة الله بعبده ونبيه صلوات الله وسلامه عليه أن سري عن فؤاده المحزون، فكانت معجزة ورحلة الإسراء والمعراج. # بعض الآثار الضعيفة والموضوعة المتعلقة بحادثة الإسراء والمعراج # الأحاديث في «بكاء الأرض لما عرج برسول الله إلى السماء». حديث موضوع فيه «ذكر ميكائيل في المعراج».وحديث موضوع «في كتابة لا إله إلا الله محمد رسول الله على ساق العرش».وحديث موضوع «لما أسري بي إلى السماء، سقط في حجري تفاحه فأخذتها بيدي فانفلقت، فخرج منها حوراء تقهقه»، وفي رواية أخرى لعلي.أحاديث فيها «ذكر أسماء الملائكة في السموات السبع».حديث موضوع فيه «صلاة النبي ركعتين عند قبري إبراهيم وعيسى». # كتب لا أصل لها في قصة الإسراء والمعراج # كما كان للوضاعين دور كبير في نشر أحاديث مكذوبة على النبي ﷺ فقد كان للقصاص دور آخر أيضاً في نشرها، بل جمعوا الروايات الضعيفة وغيرها في كتب ونسبوها إلى بعض الصحابةوالتابعين، ومن هذه الكتب:
×
×
  • اضف...

Important Information